06/03/2025
في عصر الإعلام الجديد، أصبح الجمهور جزءًا لا يتجزأ من صناعة الأخبار، ولم يعد دور المتلقي مقتصرًا على استهلاك المحتوى فقط، بل أصبح مشاركًا فعالًا في إنتاجه ونشره. هذا التحول جاء نتيجة لتطور التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي منحت الأفراد القدرة على توثيق الأحداث ونشرها لحظيًا، مما أدى إلى نشوء مفهوم “صحافة المواطن”.
لقد أصبحت المنصات الرقمية مثل فيسبوك، تويتر، تيك توك وإنستغرام ساحة مفتوحة للأفراد لنقل الأخبار بشكل مباشر، خاصة في الأحداث العاجلة والأزمات. فبدلًا من انتظار الصحفيين للوصول إلى موقع الحدث، بات المواطن العادي قادرًا على التقاط صور أو تسجيل مقاطع فيديو ونشرها على الفور، مما يمنح الجمهور وصولًا فوريًا إلى المعلومات.
وقد لعب هذا الدور الشعبي دورًا حاسمًا في العديد من القضايا العالمية، حيث ساهمت مقاطع الفيديو التي ينشرها المواطنون في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، الاحتجاجات، الكوارث الطبيعية وغيرها من القضايا الساخنة التي لم يكن الإعلام التقليدي قادرًا على تغطيتها بنفس السرعة أو بزاوية غير منحازة.
إلا أن هذا التحول يحمل في طياته تحديات كبيرة، أبرزها مصداقية الأخبار ودقة المعلومات. فمع انتشار الأخبار بسرعة البرق، يصبح من السهل وقوع الجمهور في فخ التضليل الإعلامي، سواء كان ذلك نتيجة لنشر معلومات غير دقيقة دون قصد، أو بسبب حملات منظمة تهدف إلى نشر الأخبار الكاذبة والتأثير على الرأي العام.
وفي ظل غياب آليات التحقق التي تعتمدها المؤسسات الإعلامية التقليدية، قد يصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والتزييف، مما يجعل الإعلام الجديد سلاحًا ذا حدين.
إضافة إلى ذلك، فإن الجمهور قد يكون مدفوعًا بمشاعر آنية أثناء نقل الأخبار، مما يجعله أحيانًا غير قادر على تقديم رؤية موضوعية ومتوازنة للأحداث.
فالتغطية الإعلامية ليست مجرد نقل للمعلومات، بل تتطلب تحليلًا وتحققًا وسياقًا أوسع لفهم الحدث من جميع الزوايا. وهذا ما يجعل المؤسسات الإعلامية التقليدية لا تزال تلعب دورًا مهمًا في تنظيم المعلومات وتقديمها بطريقة موثوقة، حتى مع تصاعد دور الإعلام الجديد.
لكن رغم هذه التحديات، لا يمكن إنكار أن الجمهور أصبح عنصرًا محوريًا في تشكيل المشهد الإعلامي المعاصر. فقد ساهمت هذه الظاهرة في كسر احتكار المؤسسات الكبرى لصناعة الأخبار، ومنحت الأفراد مساحة أكبر للتعبير عن قضاياهم وتسليط الضوء على الأحداث التي قد يتم تجاهلها في الإعلام التقليدي.
ومع تطور تقنيات التحقق من الأخبار مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين، قد يصبح من الممكن مستقبلاً تنظيم هذا التدفق الهائل من المعلومات دون التأثير على حرية التعبير.
في النهاية، يمكن القول إن الجمهور اليوم ليس مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح جزءًا من منظومة الإعلام الجديد، يساهم في صناعة الأخبار ونقلها بشكل غير مسبوق. ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحة لتعزيز الوعي الإعلامي وتعليم الأفراد كيفية التحقق من المعلومات، لضمان أن يكون هذا التطور إضافة إيجابية للمشهد الإعلامي بدلًا من أن يكون مصدرًا للفوضى والمعلومات المغلوطة والزائفة.
أ. صالحة الحربي
salha0987@
عضو جمعية إعلاميون