مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الحديث مع “الغرباء”… بين دفء اللقاء وأذية التطفل

 

عزيزي “سين”،
هل أنت من أولئك الهاربين من الحديث مع الغرباء؟ أم أنك من العاشقين له ،الذين يجدون فيه نكهة اكتشاف أرواح جديدة وملامح مختلفة للعالم؟
هل تبادر بالكلمات حين يلتقي طريقك بطرقهم؟ أم أنك تظل متحفظًا، كأن الصمت حارس بينك وبينهم؟ أم ربما لا تبالي، فإذا حدث اللقاء تجاوبت بلا تردد ولا حرج؟
أم أنك، على النقيض، تتجهم داخليًا، ترى الكلام معهم نوعًا من التطفل أو الغربة أو الخصوصية التي لا ينبغي اقتحامها؟

وهل جرّبت يومًا الحديث مع غريب؟ أعني ذلك الحديث العابر، غير المخطط له، الذي يحدث فجأة في طابور انتظار، أو في مقعد طائرة، أو حتى على رصيف طريق؟

بعض الناس يهربون من مثل هذه اللحظات، يتحاشون تبادل الكلمات مع من لا يعرفون، يفضلون الانكفاء على أنفسهم معتبرين الصمت ملاذًا آمنًا. بينما هناك آخرون يجدون فيها متعة لا تشبه شيئًا آخر: فرصة لاكتشاف قصص جديدة، أرواح مختلفة، وحتى لممارسة إنسانيتهم في أبسط صورها… الإصغاء.

لكن، هل الحديث مع الغرباء دائمًا مريح كما نتوقع؟ أم أنه سيف ذو حدين، يمنحنا أحيانًا دفئًا نادرًا وأحيانًا أخرى يترك في النفس ندوبًا خفية؟

لفت انتباهي موقف لإحدى الصديقات، كانت تروي تجربتها في المستشفى، حيث دار بينها وبين مريضة لا تعرفها حديث عابر، انتهى بأن شعرت براحة نفسية عجيبة. تقول إن كلمات الغريبة لم تكن عظيمة أو استثنائية، لكنها حملت لطفًا عميقًا جعلها تغادر بجسد منهك لكن بقلب أخف.

الموقف استوقفني، لأنه أعادني إلى تجربة شخصية مماثلة. خارج أروقة المستشفى
كنت أخرج من محل صغير عندما استوقفتني امرأة مسنة تطلب المساعدة للوصول إلى مكان تجهله. دون تردد، رحبت بها وأوصلتها، مدفوعة بشعور بالحب والسلام، وبرغبة في فعل الخير التي تجلب معها غالبًا إحساسًا بالرضا والبهجة.

لكن شيئًا ما تغير أثناء الرحلة. بدأت السيدة بسيل من الأسئلة الخاصة، بعضها لم يكن يخصها، وبعضها الآخر غاص عميقًا في حياتي. لم تكتفِ بالسؤال، بل أتبعت ذلك بأحكام و”حلول” لمشاكل قديمة كنت قد تجاوزتها منذ زمن. في لحظة، انقلب الشعور الدافئ إلى ضيق يكاد يخنقني. وجدتني أقاوم ندمًا خفيًا: هل كان عليّ ألا أفتح باب الحديث أصلًا؟

تلك اللحظة أثارت في داخلي سؤالًا أعمق:
هل المشكلة في فكرة الحديث مع الغرباء بذاتها، أم في الأشخاص أنفسهم؟ أم في ثقافتنا التي أحيانًا تتجاهل خصوصية الآخر تحت شعار الفضول أو النصح؟

الحديث مع الغرباء ليس خيرًا مطلقًا ولا شرًا مطلقًا. هو مساحة مفتوحة لكل الاحتمالات. قد يكون طوق نجاة لإنسان يغرق في صمته، وقد يكون عبئًا يتركك تتمنى لو أنك التزمت الصمت.

في النهاية، ربما ليست الأحاديث هي التي تصنع شعورنا، بل الأشخاص، نواياهم، وطريقتهم في الحضور. وربما نحن أيضًا، بما نحمله من تعب أو فرح، نحدد كيف سنستقبل تلك اللقاءات العابرة.

ورغم ذلك كله، سيظل الإنسان كائنًا اجتماعيًا، يبحث عن التواصل حتى لو تأذى منه أحيانًا. ستظل هناك لقاءات غير متوقعة، تحمل في طياتها رسائل خفية، بعضها يفتح نوافذ للروح، وبعضها يعلمنا قيمة الحدود،فالحظة حديث مع غريب… قد تضيء يومك أو تعكره.

فالنمنح الغرباء فرصة، ولكن لنمنح أنفسنا أيضًا حق وضع المسافة الآمنة. لأننا أحيانًا نحتاجهم بشدة، وأحيانًا نحتاج أن نبقى مع غربائنا الأعظم… ذواتنا.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop