مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

“الخلافات الرقمية”.. معركة بلا قضية

يبدو أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تحوَّلت من ساحات للحوار، إلى ميادين حرب افتراضيَّة، لا صوت فيها يعلو فوق صراخ الكيبورد، ولا رأي ينجو من رصاص التعليقات. الجميع هناك فقهاء في السياسة، وخبراء في الدِّين وفلاسفة في الأخلاق، لكن ما إنْ يختلف اثنان، حتَّى يتحوَّل النقاش إلى معركة كرامة، وكأنَّ الرَّأي المخالف جريمة يعاقب عليها قانون الإنترنت.

صار الخلاف هوايةً يوميَّةً، يمارسها النَّاسُ كما يحتسونَ قهوتهم، لكن بنكهة سامَّة من التهكُّم والإلغاء. كل تغريدة أو منشور هي شرارة تنتظر وقود الغضب الجمعيِّ، فينقلب الحوار إلى شتائم جماعيَّة، ويُرفع شعار “مَن ليسَ مَعِي فهُو ضِدِّي”. الخوارزميَّات تضحك في الخفاء، فكلَّما اشتدَّت المعركة، ازداد التفاعل، وامتلأت الجيوب، بينما يخرج المستخدمُونَ بقلوب ملتهبة وأعصاب محروقة.

أصبحنا جيلًا لا يجادل ليقنع، بل ليقهر، لا يبحث عن الحقيقة، بل عن “اللايك” الأخير الذي يعلن انتصاره المعنويَّ. نمارس حرية التعبير، وكأنَّها سلاح دمار شامل، نطلق الكلمات بلا وعي، ثم نختبئ خلف الشَّاشات متباهِينَ بشجاعتنا الرقميَّة. ما نحتاجه ليس قوانين جديدة، بل تربية جديدة على فنِّ الاختلاف؛ لأنَّ منصَّاتنا لم تعد تواصلًا اجتماعيًّا، بل انفصالًا اجتماعيًّا مذهلًا، حيث يتحدَّث الجميع، ولا يُصغي أحد، وحيث ينهزم المنطق أمام الغضب، وتُدفن الحقيقة تحت ركام (الهاشتاق).

 

د. سعود الغربي
@S_F_Algharbi
مؤسس ورئيس مجلس إدارة إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop