مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الدبلوماسية السعودية في واشنطن.. بين أسعد الفقيه والأميرة ريما

العلاقات السعودية مع الحليف الأمريكي، ممتدة ومتجذرة وعميقة منذ ما يزيد على ثمانية عقود. وقد بدأت في منتصف الثلاثينات الميلادية، ثم ترسمت بشكل منظم في أواخر الحرب العالمية الثانية بعد اللقاء الشهير بين المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وفرانكلين روزفلت في عرض البحر على متن يو اس اس كوينسي، حيث بدء التمثيل السعودي بأسعد الفقيه ثم عبدالله الخيال ثم إبراهيم السويل ثم علي الرضا ثم فيصل الحجيلان ثم عراب الدبلوماسية السعودية في وقته الأمير بندر بن سلطان – ما يزيد على عقدين من الزمن، ثم الأمير تركي الفيصل لمدة سنتين، ثم عادل الجبير لمدة ثماني سنوات ثم الأمير عبدالله بن فيصل ثم الأمير خالد بن سلمان حتى تم تعيين الأميرة ريما بنت بندر ( ابنة السفير الأسبق ) منذ 2019 وحتى تاريخه.
العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، علاقات معقدة واستراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة في المقام الأول في مجالات الطاقة والأمن والاستثمار والتحالفات.
ومرت هذه العلاقات بمنعطفات كثيرة مختلفة بين التوافق والتقارب والاختلاف، وبعض التوترات في مراحل معينة. ولكن حين نستعرض تلك العلاقة الهامة بين دولتين فاعلتين وحاضرتين بقوة في المشهد الدولي، فإن ابرز محطاتها بعد لقاء المؤسس وروزفلت، ربما يكون التحالف النفطي والعسكري الذي بدء في نهاية الأربعينات الميلادية وحتى أوائل السبعينات من خلال تأسيس أرامكو المشتركة في الثلاثينات ثم رحلتها حتى أصبحت سعودية خالصة في أواخر الثمانينات. وتسليح الجيش السعودي بالمعدات الأمريكية من خلال صفقات عملت على تطويره وتحديثه في مراحل مختلفة، ثم حين قامت السعودية في قيادة الدول العربية تجاه حظر النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل في حرب عام 1973 ضد مصر، وكان هذا أول توتر حقيقي في العلاقات السعودية الأمريكية رغم كونها استراتيجية وعميقة.
جاءت بعدها الشراكة السعودية الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي في مطلع الثمانين الميلادية حين غزو افغانستان لدرء خطر المد الأحمر، وشهدت خلالها صفقات تسليح ضخمة وتنسيق مشترك لصد العنوان السوفياتي وتوغله في المتطقة، ثم بعد ذلك بعقد من الزمن حين خلط صدام حسين الأوراق بغزوه للكويت بحجة ضم الفرع للأصل وعنوان آخر هو تحرير فلسطين وتوحيد العرب الخ من الاطروحات التي لم تقنع احد وصلت العلاقات إلى ذروتها وكان التنسيق على اعلى مستوى نتج عنه السماح بتواجد القوات الامريكة على الأراضي السعودية من اجل صد العدوان العراقي وتحرير الكويت والإسهام في أمن المملكة ، جاءت احداث سبتمبر في بداية الألفية وكان لسوء الحظ 15 من المنفذين الارهابيين يحملون الجنسية السعودية فكان توتر شديد وضغوط سياسية استطاع دهاة الساسة السعوديين التعامل معها وتخفيف الاحتقان والحفاظ على التعاون الأمني وامتصاص الغضب الأمريكي والعمل بسرعة على إبراز الصورة الحقيقة من خلال المشاركة الأوسع في مكافحة الإرهاب وبرامج وطرق عديدة أفضت إلى انفراجة وعودة الدفء التدريجي للعلاقات وأفضى إلى محاربة مشتركة لتنظيم القاعدة وما انبثق عنه من تنظيمات أرهابية وتعاون وثيق في محاربة هذا الفكر من جذوره وتجفيف منابعه وإعادة هيكلة الخطاب الديني والتربوي في المملكة ثم محطة جديدة في بداية (الخريف العربي) عام 2011 حيث كان واضحا للعيان الدعم الأمريكي لثورات البلدان العربية بل وتشجيعها بحجة دعم خيارات الشعوب وان كانت في الحقيقة دعوة للخراب والدمار في المنطقة تفتق عنها ذهن الادارة الامريكية وصناع سياستها في ذلك الزمن شعر حلفاء أميركا في المنطقة وعلى رأسهم السعودية ان أميركا ليست أمينة مع حلفاؤها التقليديين في المنطقة وان البوصلة الأمريكية تحتاج إلى اعادة ضبطها وهذا ماحدث في وقته. الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني في العام 2015 كان محطة مهمة لها ما بعدها وكان هذا بداية التباعد الاستراتيجي السعودي الأمريكي كون الرياض ترى في هذا الاتفاق تهديدا لأمنها وتعارضه بقوة رغم محاولات ادارة اوباما للخداع التي لم تنطلي على السعوديين. وصول ترمب للبيت الأبيض في الدورة الاولى كان له اثر جيد في بداية عودة العلاقات إلى الانتعاش حيث بدأت الادارة التخلي عن سياسة اوباما القائمة على ادارة المشهد من الخلف والرهان على طهران وبدأت تبني مواقف داعمة للمملكة وزيارات رفيعة المستوى وصفقات اسلحة ضخمة وموقف موحد ضد ايران وتقارب في الرؤى في أمور كثيرة والتغاضي عن بعض الانتقادات الدولية في ملف هنا او ملف هناك وتقديم الدعم للموقف السعودي في ملفات عديدة. محطة مهمة اخرى بدأت بقدوم ادارة بايدن ساهرة سيف ملف حقوق الانسان لأبتزاز سياسي كان ينظر كثير من السعوديين مثيرا للإشمئزاز ورخيصاً وكالعادة استطاع دهاة السياسة في الرياض وعلى رأسهم الملك سلمان وسمو سيدي ولي العهد التعامل مع هذا الموقف بحزم وحسم ووضوح اثار إعجاب الداخل والخارج وعاد بايدن بخفي حنين سياسيا واقتصاديا وعاد التوتر مرة اخرى ولم يبق إلا التنسيق الأمني فيما يختص في دور ايران التخريبي في المنطقة وخاصة استخدام الحوثيين في اليمن فضلا عن أصابعهم في لبنان والعراق وسورية. ولم تفلح محاولات مراجعات صفقات الأسلحة من قبل ادارة اوباما في ثني السعوديين عن اي قرارات او خيارات سيادية وكان واضحا اتجاه البوصلة السعودية إلى بكين وموسكو للمتابعين للمشهد السياسي والعلاقات الدولية كنوع من الخيارات المطروحة لتنوع التحالفات والعلاقات وترسخت هذه السياسة في مطلع العام الماضي حين بدأت التموضع والتحول الاستراتيجي نحو سياسة خارجية اكثر بعدا عن الانسجام مع سياسة أميركا وان لم تكن مخالفة تماما لكنها مستقلة وسيادية بشكل واضح أراد له السعوديين ان يكون ملاحظا وجليا لدى القاصي والداني وتنويع الشراكات مع الصين والهند وروسيا خاصة ومحادثات جادة مع اميركا حول اتفاق دفاعي وأمني مشترك يتسم بطابع الديمومة وطول الأجل والتركيز على رؤية السعودية 2030 التي بدأت تؤتي ثمارها منذ عامها الأول وتنمية الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط. يرأيي ان الدبلوماسية السعودية في واشنطن منذ وصول الأميرة ريما بنت بندر إلى واشنطن بدأت تأخذ منحى آخر ولعل لقائها الشهير مع قناة السي ان ان قبل سنتين وضع النقاط على الحروف ان السعودية اليوم ليست سعودية الأمس وانصح القراء بالعودة اليها لمزيد من فهم طبيعة العلاقة السعودية الأمريكية. من الطبيعي ان العلاقات بين البلدين تتأثر بالعوامل الإقليمية والدولية والداخلية على الطرفين ورغم التوترات احيانا فإن اساس العلاقة يظل قائما على الطاقة والأمن والاستثمار مع توجه سعودي ناحية تنويع الشراكات الدولية. برأيي أن وجود قيادة شابة تتمثل في ولي العهد حفظه الله ورئيس أميركي معجب يالرؤية وعرابها وسفيرة في واشنطن ورثت الدهاء السياسي من والدها وترعرت في اروقة الدبلوماسية في واشنطن طفولة وشباباً وتعمقت في فهم العقلية الأمريكية سياسيا واعلاميا وتملك علاقات قوية ستجعل سفينة العلاقات السعودية الأمريكية في منأى عن الامواج العاتية المتلاطمة التي تعصف بالمنطقة. برأيي ان زيارة ترمب الاخيرة دلالة اخرى على ان العلاقات السعودية الأمريكية بخير ويعاد ترميمها بشكل فعال وما تفعله سفيرتنا في واشنطن يستحق التوقف والتأمل والإعجاب وثماره تتضح كل يوم بشكل افضل.

 

أ. دحام العنزي
‏@dahham2030
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop