في زمن باتت فيه المعلومة تصل إلينا بضغطة زر، ومع التطور الهائل للذكاء الاصطناعي، أصبح الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال يتلاشى شيئًا فشيئًا. لم يعد الأمر مقتصرًا على مقاطع الفيديو أو الصور التي يمكن التلاعب بها، بل وصل التزييف إلى مستوى لم نعهده من قبل؛ مستوى يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي أن يسرق الأصوات، يدمج الوجوه، ويخلق أحداثًا لم تحدث قط.
تخيل أن تسمع صوت شخصية تاريخية فارقت الحياة منذ عقود، وهي تتحدث عن قضية حدثت بالأمس. يبدو الأمر مستحيلاً، لكنه أصبح حقيقة واقعة. فقدرات الذكاء الاصطناعي اليوم تمكنه من تحليل نبرة الصوت واستنساخها بدقة مذهلة، ليُخرج كلامًا لم ينطقه صاحبه أبدًا. يزعم الذكاء الاصطناعي أنه قادر على جمع شخصين لا يعرفان بعضهما البعض في مقطع فيديو ويجعلهما يتحدثان وكأنهما صديقان قديمان، في خداع بصري وسمعي لا يفرق بينه وبين الحقيقة إلا العين الخبيرة.
إن هذه القدرات المتطورة تحمل في طياتها مخاطر جسيمة. يمكن استخدامها لترويج معلومات مضللة، أو الإساءة إلى سمعة الأشخاص الشرفاء. قد يُستغل صوت طبيب مشهور لنشر نصائح طبية خاطئة بهدف بيع منتجات غير آمنة، أو قد يتم تزييف مقطع فيديو لسياسي يُقوّلْ ما لم يقله، مما يسبب فتنة أو بلبلة. كل هذا يعرض الفرد والمجتمع لمخاطر لا حصر لها، ويهدد الثقة بين الناس..
لذا، أصبح واجبًا علينا أن نتحلى بالوعي والحذر الشديدين. في هذا الوقت بالذات، لا يمكننا أن نصدق كل ما نراه أو نسمعه، سواء كان صورة ثابتة، مقطع فيديو، أو حتى تسجيل صوتي. الحقيقة الوحيدة التي يمكننا أن نثق بها هي تلك التي نراها بأعيننا المجردة في الواقع.
علينا أن نكون واعين لهذه التحديات، وأن ندرك أن أدوات الذكاء الاصطناعي تتطور باستمرار، مما يجعل التمييز بين الحقيقة والزيف أكثر صعوبة.
إن هذه المرحلة الجديدة تفرض علينا مسؤولية إضافية: أن نتحقق من كل معلومة، وأن نسأل دائمًا عن المصدر، وأن نعتمد على المنطق السليم. إنها معركة الوعي، وعلينا أن نكون مستعدين لها.
أ. محمد العتيّق
@aloteeq
عضو جمعية إعلاميون