في عالمٍ يموج بالتشابه والتكرار، تبقى السِمات الراقية نادرة الحضور، غالية المعنى. فالرُقيّ ليس صفة تُكتسب بالمظهر أو الادّعاء، بل هو سلوك داخلي عميق، يُولد حين تختار الروح أن ترتقي، لا لأن يراها الآخرون كذلك، بل لأنها وجدت في السموّ خلاصًا من الضجيج، واتساعًا لما يضيق به العالم الخارجي.
الرقيّ الحقيقي لا يُصطنع، ولا يُعلَّق على جدار الكلمات المنمّقة .. بل يظهر في التفاصيل الصغيرة، في الصمت الحكيم، في الكلمة التي لم تُقَل لأنها لا تليق، في المشاعر التي نختار أن نحملها بنُبل، لا بردود فعل عشوائية.
الراقي لا يُفكّر كيف يبدو، بل يُفكّر كيف يكون.
تجده في اهتماماته، يختار ما يُغذّي فكره لا ما يُغري عينيه. في صداقاته، لا يُكثِر منها، بل يُجيد انتقاء من يشبهونه في السموّ. لا يركض خلف كل جديد، لأنه أدرك أن العمق لا يُصنع بالعجلة، وأن الجودة لا تُقاس بالكثرة.
هو إنسان يزن وقته بميزان الوعي، يمنح لحظاته لمن يستحق، ويُحسن صُنع عالَمه بصبرٍ وجمال.
الرقيّ لا يعني العزلة، بل هو حُسن الانخراط في الحياة دون أن يفقد الإنسان نفسه. أن يتواجد في قلب العالم، دون أن يسمح له بابتلاع مبادئه. هو البُعد عن الصغائر، والارتفاع عن الرداءة، دون تكبّر، ودون ادّعاء.
وحين يصبح الرقيّ نهجًا لا حالة عابرة، يصير الإنسان أكثر صفاءً، أكثر حريةً، أكثر انسجامًا مع ذاته. يكتب حياته بما يليق به، لا بما يُفرض عليه.
يصبح الجمال نهجًا، لا شكلاً. والاختيار فنًا، لا صدفة.
فالرقيّ، في نهاية المطاف، ليس لباسًا ترتديه… بل هو روح تسكنك، وعالمٌ تُقيمه لنفسك يشبهك… وينتمي إليك.
أ. مها الثبيتي
@maha_thobaiti
عضو جمعية إعلاميون