في الحقيقة السفر لم يعد مجرد انتقال بين المدن والبلدان، ولا مجرد حقائب تُحزم وصور تُلتقط، بل أصبح مرآة تعكس وعي الفرد وحضارة وطنه. فحين يخطو المسافر أرضًا جديدة، فإنه لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل بلاده، قيمها وأخلاقها، وعمقها الحضاري الذي يتجسد في سلوكه.
وإن احترام التاريخ والحضارة في أي بلد نزوره ليس ترفًا ولا خيارًا، بل هو واجب أخلاقي وحضاري. فكل مدينة نزورها تحمل إرثًا إنسانيًا متراكبًا، صاغته أجيال سبقتنا، وأي عبث أو تهكم أو استهزاء لا يسيء لأهلها وحدهم، بل يُدان به من صدر عنه ويُحسب على وطنه قبل شخصه. ومن هنا يصبح السفر مسؤولية، لا فسحة عابرة للتسلية واللعب غير المسؤول.
ولعل أبرز ما يواجهه العالم اليوم هو ظاهرة الاستخدام غير الواعي للعدسة. فالتصوير أداة حضارية راقية متى ما استُخدم لنقل المفيد والجميل، لكنه يتحول في لحظة إلى وسيلة تشويه حين يُستغل للسخرية أو التندر على عادات الشعوب وثقافاتهم. إن كل صورة تُلتقط في رحلة، وكل مقطع يُنشر، يبقى شاهدًا، وقد يكون حجة على صاحبه أكثر من كونه ذكرى…
ومن هنا، يصبح الالتزام بالقوانين المحلية واحترام العادات والتقاليد ضرورة، ليس فقط لتفادي العقوبات، بل لأنه يعكس مستوى النضج والوعي الحضاري. فالمسافر الواعي لا يرى في النظام قيدًا على حريته، بل امتدادًا لاحترامه لنفسه وللآخر.
إن الحضارة والتقدم لا يُقاسان بعدد الصور التي نلتقطها في رحلاتنا، بل بمدى قدرتنا على تمثيل أوطاننا بأفضل صورة، وبوعي يجعل من السفر تجربة للمعرفة والانفتاح، لا ساحة للعبث والاستهزاء. فالمسافر الحقيقي يدرك أن كل خطوة يخطوها خارج حدود وطنه، هي فرصة لترك أثر طيب يليق بشخصه وبالبلد الذي جاء منه.
أ. صالحة الحربي
@salha0987
عضو جمعية إعلاميون