يعد الطائف من المدن العريقة الضاربة في عمق التاريخ، إذ هو امتداد حضاري وقيمي وتجاري لمكة المكرمة، ليس فقط للقرب المكاني، بل للجذور الإنسانية التي تسكن القريتين( مكة والطائف)، والتي اكتسبت شهرة ومكانة كبيرة باعتبارها محور الجزيرة العربية آنذاك، كما زادها قيمة واعتباراً؛ الحلية الأدبية التي أصطبغ بها كبراؤها وأولو الطول منهم، من خطباء وشعراء، تصدروا بفصاحتهم المشهد في مختلف العصور، بل ذاعت شهرتهم وعلأ صيتهم كمرجعية للتحكيم، واستقاء الحِكم والنمذجة اللغوية؛ بناءً وجمالاً!
كما أن للامتداد القبلي منذ العصور القديمة، وما يجمع بينها من قواسم مشتركة في العادات والتقاليد والمعتقدات، وما لها من ممكنات فطرية في الفصاحة وتجويد اللغة، ونظم الشعر وارتجال الخطابة في المحافل والمناسبات، والتي شكلت رابطة مشتركة تكونت على إثرها الأسواق الأدبية( ذي المجاز وعكاظ) والتي تعد منتديات موسمية ومنصات استعراضية، تجتمع لها الحشود في تظاهرة أدبية سنوية تعد مسرحاً مفتوحاً يفيض بعبق الشعر وجواهر الخطابة، لتتناقلها الوفود، ويتغنى بها الأقوام عبر الأمصار والأجيال، لتتخطى عامل الزمن، كي تصلنا كنماذج مثالية للجودة والإتقان؛ رصانةً وعبقرية فذة، وقريحة فطرية إبداعية، تتمازج فيها اللغة بالوجدان، والطبيعة بالإنسان، والكيان بالمكنون، لتتلاقى الأرواح بالأشباح، وليتنفس المرء بعشق دفين وغزل عفيف، كما تنتثر على تلك الرصعات درر الحكمة ومقطوعات العذل والعتاب، أو قصائد الهجاء والنزالات، أو المديح والتباهي والاستعراضات البطولية، التي تعكس الاعتزاز والثقة، والشاعرية الغزيرة والقريحة الخصبة بالأبجديات الثرية، والتي تعد مؤهلات للظفر بالفوز والشهرة، لتكون ضمن معلقات الكعبة؛ لوحة الشرف والتمكن!!
إن مما أكسب الطائف أيضاً هذه المكانة كونها نقطة التقاء الطرق بين الاتجاهات الأربع، إذ تعد بوابة مكة ومحور الاهتمام، لما تتميز به من توفر المياه وخصوبة الأرض واعتدال الأجواء، إذ تعد سلة غذائية متكاملة، أضف لذلك الظروف المناخية والطبيعية، التي جعلت منها مدينة وادعة تتربع على سفوح الجبال الشاهقة، إذ أن لهذا التنوع التضاريسي والإطلالات المرتفعة مع ما تتحلى به من غطاء نباتي وجمال آخاذ؛ دور رئيس في جعل الطائف جاذبة بعبق الورد وشذى العطر وجمال الأجواء، لتشكل سحراً يستنطق الشعر عشقاً لرباه، وشغفاً بلقياه؛ احتفاءً بأنسه وناسه!!
وكما هي الطبيعة الجاذبة فإن لتراثه وموروثاته وآثاره العتيقة أيضاً هالةً من الهيبة والجلال، كونها رمزية للشموخ والعمق والحضارات المتوالية، كما هي منبعاً صافياً للغة التي استقى منها الرسول ﷺ مورده الثري عندما ترعرع في بني سعد؛ في كنف مرضعته حليمة السعدية!
وهو – أي الطائف- كان يمثل العاصمة الصيفية للمملكة والمنتجع الطبيعي للمسؤولين، وزوار الحكومة، ومقر انعقاد المؤتمرات واللقاءات الرسمية، وما قصر شبرا الذي كان مقراً للملك عبدالعزيز والذي يتوسط المدينة إلا دليلا على موقعها الحيويّ المتميز الذي أهّلها لهذه المكانة، إذ تحفل بعدد من المواقع التاريخية أيضًا، والتي منها قصر جبرة الذي شيد في العصر الأموي، والذي يعد شاهدا حيّاً على قيمتها وامتيازاتها الطبيعية منذ العصور القديمة، وهو في عصرنا الحاضر يتباهى كنجم عملاق يتلألأ زهواً وأزدهارًا؛ بحيويته ومتنزهاته، ومشاريعه الضخمة، التي جعلت منه مقصداً سياحياً؛ كأحد المدن العريقة والمهمة التي نالت حظاً وافرًا من الاهتمام والرعاية الكريمة!
إنه الطائف؛ لطائف من نسائم عابقة بالورد، بألوانه الزاهية، ومزارعة المتناثرة في الهدا والشفا .. أينما وجهت في نواحيه واحيائه الجميلة يستقبل زواره بترحاب وابتهاج، لتتشكل على ردهاته وأرصفته باقات طبيعية خلابة تزين المكان، كما هي متعة وإذكاءً، تضفي جمالاً وانتعاشاً!
ولقد حظيت مدينة الطائف في هذا العهد الزاهر باهتمامٍ بالغٍ، نظرًا لما تتمتع به من مقومات سياحية، وموقع استراتيجي، ومكانة مرموقة، ما جعلها من كبريات المدن السعودية نماءً وازدهارا على مختلف الأصعدة؛ السياحية والتنموية الشاملة.
أ. فلاح الزهراني
@alzahrani_falah
عضو جمعية إعلاميون