قد لا يكون الزمن كما نراه، مجرّد تتابع لحظات تمضي إلى الأمام كالنهر، بل قد يكون نسيجًا قابلاً للطي، للتباطؤ، أو حتى للالتفاف على ذاته. فالنسبية لم تقل لنا فقط إن الزمن نسبي، بل فتحت ثغرة في وعينا بأن الماضي والمستقبل قد يكونان مجرد منظورين لموقعك من كتلة أو سرعة أو ثقب.
وإذا كان من الممكن أن نوجد في «فقاعة زمنية» – كما يحدث بالقرب من الثقوب السوداء – فإن مفهوم الزمن الخطي ينهار، ويُستبدل بفكرة أكثر اتساعًا: أن الزمن لا يُستهلك، بل يُخزَّن. أن اللحظة لا تنقضي، بل تنتقل إلى موضع آخر من الزمكان، تنتظر أن تُزار من جديد، مثل صفحة في كتاب لا يُقرأ بترتيب، بل بالقفز بين الفصول.
في هذا السياق، قد لا تكون الأجسام الطائرة التي تثير حيرة الطيارين والعلماء هي «كائنات فضائية» أتت من مجرة بعيدة، بل زائرين من مجتمعات بشرية مستقبلية، عادت إلينا من آلاف السنين إلى الأمام، بعد أن تمكنت من ترويض الثقوب السوداء، أو التحكم في مسارات الزمن عبر طيّ الزمكان. ليسوا هنا لاستعمار الأرض، بل ليروا ماضيهم كما يُشاهد المرء طفولته في تسجيل قديم. وقد يتدخلون في لحظة معينة، لا لإصلاح الحاضر، بل لحماية تسلسل زمني ضروري لنشأتهم هم.
ربما هذه الكائنات ليست «أخرى» كما نتصورها، بل نحن بعد أن انتصرنا على حدود الجاذبية، وبعد أن فهمنا أن الزمن ليس سجنًا، بل ممر له أبواب خفية. وربما الثقب الأسود الذي كنا نراه مقبرة الضوء، هو في الواقع مخزنٌ للذكريات الكونية، أو معبر لزمن آخر، لا يُقاس بالدقائق والساعات، بل بانكسار قوانين الفيزياء.
وإذا صحّت هذه الفرضية، فإننا لسنا وحيدين فقط في الكون، بل لسنا حتى أحرارًا في الزمان. هناك من يرانا الآن، من بعيد… من زمن لم يأتِ بعد. يراقبنا بهدوء، يلاحظ تفاصيلنا الصغيرة، وربما يبتسم حين يرى كم كنا نجهل.
إنه المستقبل. لكنه ليس هناك… بل هنا، يحوم فوق رؤوسنا في صمت، منتظرًا أن نفهم.
د. أصيل الجعيد
@AAljaiedlaw
عضو مجلس إدارة جمعية إعلاميون