مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الفرق بين التطوع والخدمة والمشاركة المجتمعية؟

من خلال تجربتي في العمل المجتمعي، ومع ازدحام الساحة بالمبادرات والدعوات، أرى أن وضوح المفاهيم والمصطلحات يظل شرطًا في فاعلية أي جهد.

‏في هذا السياق، ومن وجهة نظري، يطفو على السطح تداخل والتباس شائع بين ثلاثة مفاهيم، هي التطوع، الخدمة المجتمعية، والمشاركة المجتمعية، ورغم أن الالتباس يبدو في ظاهره بسيطاً، لكنه في العمق قد يُفقد كل مفهوم روحه ويشوّه ممارساته ويُربك مسارات التنمية، وسأحاول توضيح الفرق بينها دون إغراق في اللغة المتخصصة.

‏بداية، التطوع هو التعبير الأوضح عن إرادة الفرد الحرة في خدمة الآخر والمجتمع، فهو فعل يقوم على الاختيار الطوعي لا على الإكراه أو الشرط، وفي جوهره، هو ممارسة إنسانية نابعة من القلب قبل العقل، حيث يمنح الفرد وقته وجهده وخبرته بلا مقابل مباشر.

‏وتؤكد التعريفات الدولية هذا المعنى؛ ففي أستراليا مثلاً يُعرَّف التطوع بأنه “الوقت الممنوح للصالح العام عن طيب خاطر وبدون مكاسب مالية”، وفي المملكة، جاءت اللائحة التنظيمية للعمل التطوعي لتعزز البعد ذاته، حيث عرّفته بأنه “كل جهد أو عمل يقدمه شخص بطوعه واختياره رغبةً في خدمة المجتمع وتنميته”.

‏وعلى النقيض من ذلك، تأتي الخدمة المجتمعية لتعبّر عن فعل مُنظَّم لكنه ليس حراً بالكامل، فهي غالباً ما تُفرض كالتزام قانوني، أو شرط جامعي، أو عقوبة بديلة، فقد يُطلب من الطالب قضاء ساعات خدمة للتخرج، أو من موظف تقديم عمل اجتماعي للحصول على ترقية، أو من مُدان تنفيذ ساعات خدمة بدل العقوبة.

‏هذه الممارسات، وإن كانت مفيدة للمجتمع، إلا أنها تختلف جوهرياً عن التطوع، فغياب عنصر الاختيار يُفقدها الروح الإيثارية التي تُميز التطوع، ويجعلها أقرب إلى الواجب المقرَّر أو الالتزام الرسمي.
‏ولا يكتمل حديثنا إلا بمفهوم ثالث أكثر شمولاً، هو المشاركة المجتمعية، وهي ليست مجرد نشاط فردي أو التزام قانوني، بل عملية تفاعلية تشاركية تجمع بين الأفراد والمنظمات الحكومية والربحية وغير الربحية ضمن إطار استراتيجي واحد.

‏وتتميز المشاركة المجتمعية بأن الفاعل الأساسي هنا هي الشراكة بين الدولة والأفراد والقطاع الخاص وغير الربحي، بخلاف التطوع الذي يرتكز على الأفراد فقط، والمسؤولية الاجتماعية التي تُعنى بالمؤسسات والمنظمات، والمستهدف منها المجتمع بأسره، لا شريحة محدودة ولا فئة ضيقة، وتهدف إلى الاستثمار في التنمية المستدامة، لا مجرد تحسين صورة ولا أداء واجب، ومن هنا، تتبلور المشاركة المجتمعية كفلسفة متكاملة، تصوغ مصالح الدولة والمجتمع في رؤية مشتركة، مثلما تؤكد عليه رؤية المملكة 2030.

‏لكن، لماذا يهم تحرير هذه المفاهيم؟

‏الخلط بين المفاهيم قد يبدو مسألة لغوية، لكنه في الحقيقة ينعكس مباشرة على الممارسات والسياسات، فحين يُطلق على الخدمة المجتمعية “تطوع”، يُفرغ التطوع من روحه الإيثارية، وحين تُختزل المشاركة المجتمعية في مبادرات فردية أو مسؤولية اجتماعية مؤسسية، تُفقد قوتها التحويلية كفلسفة شاملة.

‏التفريق الدقيق بينها ليس ترفاً لغويًا أو فكرياً، بل شرط لنجاح العمل التنموي، فهو الضابط الذي يضمن أن يُبنى التطوع على الإلهام، وتُمارس الخدمة المجتمعية بوعي، وتُدار المشاركة المجتمعية كإستراتيجية طويلة الأمد.
‏إن رحلة تحرير المفاهيم، تبدأ بالكلمة الدقيقة، لكنها لا تنتهي إلا عند ممارسة واعية تليق بمستقبل العمل المجتمعي في المملكة.

 

د. يوسف الهاجري
‏@aboaadl2030
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop