مثقف بلا قبيلة، لا يُرى، لكنه صوت الضمير الذي لا يصمت
في كل ندوة، يظل كرسي شاغرًا.
ليس لأنه خالٍ من قيمة،
بل لأنه بلا غطاء، بلا قبيلة تحميه،
ولا كيان يحتويه.
“يقول أبو حامد الغزالي: ليس كل من تجمعت حوله الجماعة محقاً، وليس كل من خالفهم ضالاً.”
هذا الكرسي مخصّص للمثقف الذي لا يسير مع القطيع،
الذي لا يجد حضناً فكريًا أو إنسانيًا.
هو الغريب الذي لا يملك جواز مرور إلى دائرة الجماعات،
لا حزبًا يدعمه، ولا شبكة تعينه.
مثقف بلا قبيلة،
يحمل عبء الفكر الحر، وصمت الضمير،
يحمل رؤى لا تروق لمن يميلون إلى الأمان.
كلماته قليلة، لكنها تقطع كالسيف،
تسأل حيث يهرب الجميع،
تجاهر بحقائق قد تُجرح.
“كما قال نجيب محفوظ: إن الأدب لا يجب أن يكون مجرد تعبير عن الأهواء، بل مرآة صادقة للمجتمع.”
هذا هو صوت المثقف، رغم العزلة، رغم الكرسي الفارغ.
لا يطلب الشهرة،
ولا يلهث وراء الأضواء،
يكتب حين يكون الصمت خيانة،
يصمت حين يكون الكلام استعراضًا.
وسط خرائط السلطة الثقافية الخفية،
حيث تُختم بطاقات الانتماء،
يُترك هذا المثقف خارج الحدود،
لا يُحسب، ولا يُحتسب.
هو النغمة التي لا تتناغم مع لحن الجماعة،
الضفة التي ترفض الانصهار في التيار.
“ابن خلدون قال: الناس في الجماعات على طبائع مختلفة، ولاتقوم دولة إلا على نوع من التضامن.”
لكن ماذا عن من لا ينتمي لأي جماعة؟
هل هو مجرد هامشي، أم أنه الحارس الخفي للوعي؟
الكرسي الفارغ شهادة على رفض المساومة،
على الإصرار أن يكون الصوت صادقًا، غير مزيف.
حين تهيمن القبائل الفكرية،
ويبقى المثقف بلا قبيلة وحيدًا،
لكنه صوت لا ينطفئ،
صمتُه صرخة، وحضوره غياب له معنى.
يجلس بعيدًا عن الميكروفونات،
يكتب حين لا يكتب أحد،
ينتظر السؤال الذي لم يُطرح بعد.
قد لا يظهر في الصور،
ولا تُنقل عنه أخبار في المجالس،
لكننا نقرأه في أعماقنا،
ونسمع صمته بكل وضوح.
الكرسي الفارغ…
هو المكان الذي يجلس فيه مثقف بلا قبيلة،
لكنّه يحمل ثقل الحقيقة كاملة.
أ. هويدا المرشود
ahofahsaid111112@
عضو حمعية إعلاميون