مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

المنفى…وقوف على باب الحياة

 

المنفى ليس أرضًا جغرافية تُرسم على الخرائط… إنه شرفة تطل على الحياة،
لكن النوافذ والأبواب موصدة،
يا صديقي المنفي دون أن تدري…
هل شعرت يومًا أنك غريب في جسدك؟
أنك تمشي على هذه الأرض وكأنك نسخة باهتة منك، تبتسم، تتحدث، تؤدي دورك بدقة، لكن روحك… تقف هناك، خلف نافذة مغلقة، تنظر إليك بحزن؟أن تصبح قلباً يضخ الفراغ وريحًا تئن في أزقة صدرك بلا وطن.

المنفى ليس مكانًا تُطرد إليه، ولا وطنًا يُنتزع منك بالقوة. المنفى الحقيقي يبدأ عندما تُنفى عن نفسك حين تصبح بينك وبين ذاتك مسافات شاسعة لا يجسرها حديث، ولا يختصرها بكاء،إنه أن تشعر أنك تقف على باب الحياة، تطرق وتطرق، لكن الأبواب كلها صماء، والنوافذ كلها موصدة، والريح خلفها تسخر منك بهمس بارد.

في المنفى، تتحول إلى ظلٍ لظلك، كأنك صورة شاحبة لروح لم تكتمل كل ما فيك حي ظاهريًا: قلب ينبض، رئتان تتنفسان، عينان تحدقان ، لكنك تعرف الحقيقة:أنت ميت مؤجل.

في المنفى، تتحول الأيام إلى صف طويل من النوافذ المغلقة. تقف أمامها، يداك داميتان من كثرة الطرق، وقلبك ينزف صمتًا، لكن لا أحد يفتح.
كل ما فيك حيٌّ ظاهريًا: تتنفس، تمشي، تأكل، تضحك حين يضحك الآخرون… لكن في العمق أنت مجرد ظل لظل، شبح يتسكع بين الحياة والموت، لا هو قادر على العبور إلى النور، ولا هو يجرؤ على الانطفاء التام.

المنفى هو أن تكون عالقًا بين قوسين مفتوحين، لا بداية تليق بك، ولا نهاية تشبهك. أن تتدلى على حبل الوجود
كثمرة لم تنضج بعد… ولم تسقط بعد. بين بداية لم تولد كما أردت، ونهاية تخشاها حد الرعب.
أن تتحول روحك إلى صحراء، كلما حاولت زرع الحب فيها نبت شوكًا، وكلما سكبت الماء تسلل إلى الشقوق العميقة واختفى. أن تصبح غربتك أكبر من جغرافيا الأرض، غربتك عن ذاتك، عن قلبك، عن تلك الدفعة الأولى من النقاء التي ولدت بها ذات بكاء قديم.

وفي هذا المنفى، لا أحد يسمعك. الصمت هنا كثيف كالغبار، والحياة تمر من أمامك كقطار سريع، يدهسك مرة بعد مرة وأنت ما زلت واقفًا على القضبان، كأنك مجبر على البقاء شاهدًا على موتك البطيء.

ثم يأتي الجزء الأخطر…
أن تبدأ بالتعايش مع هذا المنفى.
أن تحفظ جدرانه، رائحة قضبانه، حتى تحب عزلته وتخاف الحرية.
تسميه “نضجًا”، أو “سلامًا داخليًا”، أو حتى “رضا”.
لكن في العمق، أنت فقط سجنت روحك لأنك عجزت عن مواجهة الحياة.

يا صديقي…
ربما المنفى ليس لعنة، بل درس وجودي. ربما هو دعوة لأن تعود إليك، أن تبحث عن وطنك في داخلك بدل أن تنتظره في الخارج.
لكن إن لم تفعل… إن تركت روحك واقفة على باب الحياة طويلاً، ستكتشف الحقيقة الأكثر إيلامًا
لا أحد يُخرجنا من المنفى… نحن فقط نتعلم أن نسكنه، نزين جدرانه، ونقنع أنفسنا أنه بيت.

أما الروح؟
فهي تعرف…
أننا لسنا سوى مسافرين مؤجلين،موتى بإذن الحياة.
وأن المنفى هو أن أقف على باب الحياة ولا استطيع الموت.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop