في عصر أصبحت فيه الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وتحولت الشبكات الاجتماعية إلى سوق مفتوح لكل شيء، لا يكاد يمر يوم إلا وتُسجل فيه جرائم نصب واحتيال جديدة تُصيب العشرات وربما المئات من الأبرياء الذين لم يحصنوا أنفسهم ضد خداع المحتالين. شخصيًا، تعرضت خلال شهرين لخمس محاولات نصب، ثلاث منها وقعت فيها وخسرت أموالًا كانت تعني لي الكثير، منها إعلان لشاليه في محافظة بيشة على “تيك توك” كان مغريًا بشكل لا يُصدَّق. تواصل معي أحدهم عبر “واتساب”، عرض علي عقدًا وصورًا ومرافق تبدو حقيقية، وبثقة حولت المبلغ، لكن ما حدث بعدها كان اختفاءً تامًا، ولم أسترد شيئًا.
ليس الأمر متعلقًا فقط بي، فقد عرفت شخصًا آخر وقع في فخ مكتب يدعي تقديم تمويل رسمي من بنك التنمية، حيث كانت الرسائل والوثائق التي تصل إليه تحمل شعارات وأختامًا رسمية تخدع حتى أكثر الناس وعيًا. وبعد تحقيق بسيط اتضح أن كل ذلك كان مجرد خدعة منظمة.
ما يثير القلق هو أن هؤلاء المحتالين ليسوا عشوائيين، بل محترفون يُتقنون فن التلاعب بالعواطف، وينتحلون صفات مختلفة من معلمين ومستثمرين وموظفين حكوميين، مستخدمين لهجات محلية وطريقة حديث تقنع أي شخص. يتواجدون على كل منصات التواصل، من “سناب شات” إلى “تيك توك” و”واتساب”، وأحيانًا يُروجون لحكايات نجاح وهمية لجذب المزيد من الضحايا.
رغم أن الدولة لم تقصر في وضع الأنظمة الصارمة وتشغيل المنصات الرسمية للإبلاغ، وتشديد العقوبات، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع علينا نحن كمستخدمين. علينا إعادة النظر في ثقافتنا الرقمية، وعدم الانجرار خلف العروض السريعة، والتحقق دومًا من صحة أي تعامل مالي، وعدم تحويل أموال لأي جهة غير موثوقة أو بدون التحقق الكامل.
الواقع أن البطولة الحقيقية ليست في أن تكون ذكيًا بعد وقوعك في النصب، بل في أن تقي نفسك من الوقوع أصلًا. فلا تغتر بالصور أو الكلمات الرنانة، ولا تتعامل مع أي عرض يبدو أقل من السوق بكثير، فغالبًا ما يكون وراءه خدعة باهظة الثمن.
في النهاية، علينا أن ندرك أن المحتال لا يختار الساذج فقط، بل يختار المندفعين والواثقين بلا حدود. لذا كن حذرًا، وثقف نفسك، واحمِ أموالك، فلا تجعل هاتفك وأنت بمفردك في هذا العالم الرقمي الواسع بوابتك للضياع.
أ. سعيد الأحمري
@Historian2080
عضو جمعية إعلاميون