في حياتنا المليئة بالعلاقات الثابتة و العابرة والمواقف المقصودة و المفاجئة يرتفع صوت الآخر و تعجُّ الأجواء بالكلمات والآراء، و صار النقد عادةً يوميّة يتذرّع بها الكثيرون باسم “الصدق” أو “الحرص”، غير مدركين أن الكلمة قد تكون سهمًا يصيب القلب قبل الفكرة، وأن النقد المباشر قد يقتل في النفس ما هو أجمل من الخطأ ذاته.
إنّ الموهبة في بداياتها تشبه زهرةً غضّةً، تحتاج إلى دفء الضوء لا قسوة العاصفة، وإلى كلمة تشجيعٍ تُنبت الثقة بدلًا من أن تذبلها الخيبة. فحين يُقابل الإبداع بعباراتٍ قاسيةٍ أو توبيخٍ علني، ينكمش صاحبه في أعماقه، يخاف من المحاولة، ويُفضِّل الصمت على المجازفة. وهكذا تُوأَد مواهب كثيرة، لا لضعفها، بل لقسوة من أحاط بها.
أما في العلاقات الإنسانية، فالنقد المباشر يُفسد الودّ ويشوّه الجمال الكامن في التواصل. فليس كل صدقٍ محمودًا إن لم يُغلف بالحكمة والرفق. الكلمة القاسية تُطفئ الودّ، والنبرة المتعالية تُولِّد النفور، والنية الطيبة لا تُبرر الأسلوب الجارح. الإنسان لا يحتاج دائمًا إلى من يُذكّره بأخطائه، بل إلى من يُعينه على تصحيحها بلطفٍ واحترام.
ولعلّ أجمل النصح ما كان في خفاءٍ، وألطف التوجيه ما سُقي بلين القول وحسن التوقيت. فالنقد إن لم يُراعِ المشاعر والظروف، يتحوّل من وسيلة بناء إلى أداة هدم، ومن صوت محبّ إلى صدى مؤلمٍ لا يُنسى.
نحن بحاجة إلى ثقافةٍ جديدة في النقد، تُنبت بدل الأحكام فرصًا للتطوّر، وتُعيد إلى الحوار روحه الإنسانية. فالكلمة – إن خرجت من قلبٍ نقيّ – أحيت، وإن خرجت من فمٍ غليظ – قتلت.
فلنختَر كلماتنا كما نختار الهدايا، نغلفها باللطف ونقدّمها بحبّ. فالنقد لا يجب أن يكون مطرقة، بل يدًا تمتد لترفع. ولنتذكّر أن كل نفسٍ تحمل بذرة جمال، لا تحتاج إلا إلى من يسقيها بلطفٍ، لا من يقتلعها بزهوٍّ واندفاع.
أ. وفاء الشهري
@Wafa_aljanoob
عضو جمعية إعلاميون