مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الوطن الذي يسكننا

اليوم الوطني ليس يوماً عابراً على التقويم، بل مساحة تأمل في علاقة الإنسان بوطنه، وفي معنى الانتماء الذي يتجاوز المكان ليصبح شعوراً متجذراً في الوجدان.
فالوطن ليس مباني شاهقة ولا طرقاً ممتدة فقط، بل هو تفاصيل صغيرة تُشكل ملامح حياتنا اليومية: نداء الأذان، رائحة البحر، ضحكات الأطفال، وصمت الليل حين نرفع أعيننا إلى السماء.
هذا اليوم يفتح باباً للتساؤل: ما الذي يجعل الوطن وطناً؟ أهو الأرض وحدها أم البشر الذين يسكنونها؟ أم القيم التي نتشاركها، والذاكرة التي نحملها معاً؟ الهوية الوطنية ليست شعارات أو احتفالات مؤقتة، بل تجربة نعيشها في تفاصيلنا الصغيرة، في إحساسنا بالمسؤولية تجاه مجتمعنا، وفي سعينا لأن نكون امتداداً لمسيرة طويلة من الصبر والرؤية.
تاريخنا ليس سلسلة من الإنجازات الضخمة فحسب، بل هو أيضاً حكايات الناس العاديين الذين صنعوا الفرق. معلم غرس المعرفة، أم ربت أبناءها على القيم، عامل شارك في البناء، أو كاتب وثّق اللحظة بالكلمة. هؤلاء يشكلون الوجه الحقيقي للوطن، فهم الذين صنعوا البنية العميقة التي حملت التطور العمراني والصناعي والثقافي إلى ما نراه اليوم.
الفخر بالوطن لا يُقاس بعدد المشاريع الكبرى فقط، بل بقدرتنا على أن نكون أوفياء لقيمه، وأن نحمل مسؤوليته بوعي. أن نحمي ثقافتنا من التلاشي وسط عالم متغير، أن نصون لغتنا وهويتنا، أن نزرع في الأجيال القادمة قيمة العطاء والانتماء. هنا يصبح اليوم الوطني أكثر من احتفال؛ يصبح لحظة صادقة نراجع فيها ذواتنا، ونستعيد فيها ما يجعلنا متصلين بهذا الكيان الكبير.
في زمن السرعة والانشغال، يظل التحدي هو كيف نحافظ على هذا الوعي؟ كيف نحول الانتماء من شعور عاطفي مؤقت إلى ممارسة يومية؟ ربما يكمن الجواب في الأفعال البسيطة: في مبادرة مجتمعية، في كلمة طيبة، في عمل يُنجز بإخلاص. فالوطن ليس فكرة مجردة، بل هو مجموع هذه التفاصيل التي تبني نسيجًا إنسانيًا متماسكًا.
اليوم الوطني إذن، ليس فقط مناسبة للاحتفاء بما تحقق، بل دعوة للتأمل فيما يمكن أن نحققه معاً. دعوة لإعادة التفكير في دورنا كأفراد في هذه المسيرة المستمرة. فالوطن لا يعيش بالماضي وحده، ولا يزدهر بالخطط المستقبلية فقط، بل يعيش بنا، في وعينا، في أفعالنا، وفي قدرتنا على أن نحمل هويته في كل ما نفعل.
وبينما نحتفل اليوم، نعلم أن الطريق لم يكتمل، وأن المسيرة لا تتوقف. إنما يكمن الجمال في هذا السعي المستمر، في هذا الشغف الذي يجعلنا أكثر التصاقاً بالأرض التي ننتمي إليها، وأكثر وعياً بالمسؤولية التي نحملها. وهكذا يصبح اليوم الوطني رحلة متجددة من الانتماء، نحتفل فيها بما نحن عليه، وبما يمكن أن نصنعه معاً.

 

أ. خيرية حتاته
‏albarka0@
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop