لم تعد التقنية الحديثة ترفًا، بل أصبحت نبض الحياة في كل لحظةٍ نعيشها. فهي تفتح لنا أبواب الأمل وتقرّب البعيد، لكنها في الوقت نفسه قد تسرق منّا بساط الطمأنينة وتزرع فينا وجع العزلة.
لقد اختصرت التقنية المسافات، وقرّبت الشعوب، وفتحت نوافذ كانت مغلقة على العلم والمعرفة والتواصل. أصبحت المدارس تُدار عن بُعد، والمشاريع تُدار بضغطة زر، والأفكار تنتقل من قارة إلى أخرى في لحظة. إنها ثورة لم يشهد التاريخ مثلها، جعلت من العالم قرية صغيرة، بل شاشة صغيرة بين أيدينا.
لكن، خلف هذا البريق اللامع وجهٌ آخر لا يقل وضوحًا: الانعزال الاجتماعي، التشتت الأسري، وتراجع التواصل الإنساني الحقيقي. أصبح الحوار وجهاً لوجه عملة نادرة، والابتسامة الحقيقية تُستبدل برموزٍ جامدة. التقنية التي وعدتنا بالتقارب، جعلتنا نعيش وحدتنا في ضجيجٍ افتراضي لا ينتهي.
إن التحدي اليوم ليس في امتلاك التقنية، بل في امتلاك الوعي الكافي لاستخدامها. فكل اختراع عظيم يحمل في داخله مسؤولية أعظم، وكل ضوءٍ ينبثق من شاشة يضيء طريقًا أو يحرق بصيرةً، بحسب من يمسك به.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه:
هل ما زلنا نتحكم في التقنية؟ أم أنها أصبحت تتحكم فينا؟
إنها معركة صامتة بين الأمل الذي تبعثه والألم الذي تُخلفه، معركة تحتاج إلى وعيٍ مجتمعي، وتربية رقمية، وحضور إنساني لا يُغلبه بريق الشاشة.
أ. الجوهرة ال مرعي
@c3w125
عضو جمعية إعلاميون