لدى (ثمانية) الآن ما لم يُمنح لغيرها؛ عقد طويل الأمد، امتياز حصري، ومجال مفتوح لتشكيل صورة جديدة للنقل الرياضي في السعودية حتى عام 2031. ولكن الامتياز ليس دائماً ميزة، فقد يتحول إلى عبء ثقيل إن لم يُحسن التعامل معه، خاصة إذا كان التحدي أمام جمهور رياضي لا يرحم، ولا يقبل أنصاف الحلول.
التجارب السابقة في نقل الدوري السعودي -على اختلاف منصاتها- لم تكن تخلو من الانتكاسات. فبين إخفاق تقني، وانحياز إعلامي فج، وتضخم في الشخصيات الصوتية التي تتصدر الشاشات بلا رصيد مهني، تشكّلت فجوة بين الجمهور والقنوات الناقلة، جعلت كثيراً من المتابعين يفضلون صمت الشاشة على صخب التحليل.
ما يجب على ثمانية أن تدركه من اللحظة الأولى، هو أن امتلاك الحقوق لا يعني امتلاك القلوب. فالثقة تُبنى ولا تُمنح، والشارع الرياضي أكثر وعياً مما يُظن. والمطلوب ليس فقط صورة عالية الجودة أو استوديو أنيق، بل عدالة في الطرح، حياد في التغطية، وأسلوب مهني يُدار بالمعايير وليس بالهتاف.
لذلك، على (ثمانية) أن تتجنب ثلاثية السقوط: الانحياز، الفوضى، والسطحية.
وأما الانحياز، فالجمهور اليوم أذكى من أن تُخدعه الشعارات أو تُضلله الانتماءات، وقادر على اكتشافه ولو تخفّى تحت ألف قناع. فلا نريد محللًا «هلاليًّا» يُدافع مهما كانت الأخطاء، ولا مقدمًا «نصراويًّا» يشكك حتى في الانتصارات المستحقة.
ما نريده هو أن تسمو الهوية المهنية فوق الولاءات، وأن يُقدَّم الرأي النزيه لا الانحياز المسبق، فبدون ذلك ستتآكل ثقة الجمهور، ويفقد المشروع مصداقيته قبل أن يخطو أولى خطواته.
وأما الفوضى، فهي آفة البرامج الحوارية حين تتحول الطاولة إلى ساحة صراخ لا نقاش، وتعلو الأصوات على الأفكار، فيُهمَّش الرأي وتُستبدل الحجة بالضجيج. إنها فوضى موجهة تُسيء للمشهد الرياضي، وتُنفّر الجمهور، وتُفرغ الرياضة من معناها التنافسي والحماسي النبيل، لتجعلها ساحة للتشاحن لا للفهم. وهي ممارسات لا تليق بجمهور متحضّر يعي أولوياته، ويطالب بمنظومة إعلامية ترتقي بالوعي، وتواكب تطلعات المرحلة وأهداف رؤية 2030.
وأما السطحية، فهي داء المرحلة، حين يُختزل التحليل في تعليق عابر أو نكتة مكررة، ويُقدَّم الترفيه على حساب الفهم. المرجو من «ثمانية» ليس ملء الشاشة بوجوه مألوفة، بل صناعة إعلاميين حقيقيين، لا مجرد مؤثرين مؤقتين. نريد من يفهم التكتيك لا من يردد الأهازيج، ومن يقرأ الأرقام ويحللها، لا من يكتفي بنقل التغريدات. فالجمهور يبحث عن معرفة توازي شغفه، لا عن استعراض يُكرر ما يعرفه سلفًا.
في المقابل، تملك ثمانية إمكانية كبيرة لصنع قفزة نوعية، إذا ما استثمرت في المحتوى لا في الشكل. فيمكنها أن تقدّم برامج وثائقية تُبرز تاريخ الأندية، وسلاسل تحليلية تُفكك أداء الفرق، ومحتوى تفاعليًا يستثمر ذكاء المشجع السعودي، الذي بات اليوم أكثر إلمامًا بالتفاصيل من كثير من العاملين في الوسط الإعلامي نفسه.
إنها فرصة ذهبية لبناء مدرسة جديدة في الإعلام الرياضي السعودي، تُضاهي في مهنيتها شبكات عالمية مثل ESPN، وتعيد صياغة العلاقة بين المشاهد والشاشة. لكن ذلك مشروط بوعي «ثمانية» بأنها تحت اختبار وطني حقيقي، يُنتظر منه أن يُعيد للإعلام الرياضي هيبته، ويسترجع ثقة الجمهور في المنصات التي تخاطبه.
إن نجحت (ثمانية)، فإنها فستنقل الإعلام الرياضي نفسه من زمن الهواة إلى زمن المحترفين. وإن فشلت، فستكتب سطرًا آخر في سجل الإخفاقات… كسابقاتها من القنوات الرياضية.. أتمنى التوفيق لـ(ثمانية).
د. سطام آل سعد
@Sattam_Alsaad
عضو جمعية إعلاميون