لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة خلف الكواليس، بل أصبح في قلب المشهد الإعلامي، يكتب، يحلل، ويرتب العناوين في ثوانٍ ويقترح صيغاً قد تستغرق من الصحفي وقتاً وجهداً لإنتاجها.
فهل هذا التحوّل، يُمثّل تهديداً حقيقياً للصحفي؟ أم أنه تطوّر طبيعي يجب مواكبته لا الخوف منه؟
في الواقع يكمن التهديد الحقيقي ليس في الذكاء الاصطناعي نفسه، بل في طريقة تعاملنا معه. فالمحتوى المُصطنع مهما بدا متقناً، يظل يفتقد إلى الخبرة الإنسانية، الحس الصحفي، والقدرة على قراءة ما بين السطور.
لا يزال الذكاء الاصطناعي عاجزاً عن أن يسأل الأسئلة الصعبة في مؤتمر صحفي أو يُطارد الحقيقة في الميدان أو ينقل الألم بصدق في قصة إنسانية.
لكن في المقابل لا يمكن تجاهل مكاسب الذكاء الاصطناعي للصحفي، فهو يساهم في تسريع التحرير، تحليل البيانات الضخمة، تنظيم الجداول، وحتى كشف الأخبار الزائفة، باستخدام تقنيات متقدمة.
الصحفي اليوم أمام خيارين:
إما أن يُقاوم هذه الأدوات من منطلق الخوف على مكانته أو يتقن استخدامها ويُطوّر مهاراته ليبقى في مقدمة السباق.
لأن الصحافة في جوهرها لا تزال تعتمد على الإنسان، الذي يرى ويسأل ويشك ويكتب بنبضٍ لا تحاكيه الخوارزميات.
الذكاء الاصطناعي لن يقتل الصحافة لكنه بالتأكيد سيُغيّر وجهها.
وتبقى الصحافة الإنسانية المعتمدة على القيم، لا فقط على السرعة، وهي الأكثر بقاءً وتأثيراً. ومع هذا التطوّر تتغير أيضاً مهارات الصحفي المطلوبة.
لم يعد كافياً أن يُجيد الكتابة والتحرير فقط بل أصبح لزاماً عليه أن يُلمّ بأساسيات أدوات الذكاء الاصطناعي ويعرف كيف يستخدمها دون أن يفقد صوته الإنساني الفريد.
المشكلة ليست في أن تُنتج الآلة خبرًا بل في أن نتعامل مع هذا الناتج على أنه نهاية المطاف.
الصحفي الحقيقي هو من يُعيد إنتاج المعلومة بفكر ومن يسائل التقنية قبل أن يُسلّم لها زمام المهنة.
نحن لا نواجه ذكاءً أعلى منّا بل سرعة وتنميط وتوقّع.
أما الصحافة فهي حرفة الروح والقدرة على قراءة ما لا يُقال والبحث عن القصة التي لم تُكتب بعد.
خاتمة:
في زمن الآلة لن يُقاس تأثير الصحفي بما يُنتجه من كلمات فحسب بل بما يُضيفه من معنى وإنسانية وصدق في رواية الحكاية.
والصحفي الذي يُطوّر أدواته ويُحافظ على أصالته، لن تهدده الآلة، بل سيرتقي بها.
أ . خيرية حتاته
albarka0@
عضو جمعية إعلاميون