قبل أعوام قليلة، كانت حرائق الغابات خبرًا موسميًا يأتي من وراء البحار؛ من غابات الأمازون إلى كندا، ومن أوروبا إلى أستراليا. كنا نتابع الصور بشيء من الأسى، لكننا نعتبرها بعيدة عن واقعنا العربي، محكومة بمناخ مختلف وغطاء نباتي كثيف لا نملكه.
لكن في السنوات الأخيرة، تغيّر المشهد. أصبحت النيران تلتهم مساحات شاسعة من الغابات في الجزائر ولبنان وسوريا والمغرب، وحتى بعض المناطق الجبلية في أبها والباحة في جنوب شبه الجزيرة العربية. فجأة، صارت صور الدخان والرماد مألوفة على شاشاتنا، وصار السؤال مُلحًّا: لماذا انتقلت هذه الظاهرة إلينا؟ وهل هي مجرّد كارثة بيئية، أم أن هناك خيوطًا خفية وراءها؟
الأسباب الظاهرة تبدو منطقية: تغيّر المناخ، ارتفاع درجات الحرارة، الجفاف، والإهمال في صيانة الغطاء النباتي. هذه عوامل حقيقية ومثبتة علميًا، ولا يمكن تجاهلها. كما أن النشاط البشري العشوائي، مثل إشعال النار في أماكن التنزه أو الرعي الجائر، يسهم في إضعاف قدرة الغابات على مقاومة الحريق.
لكن الخبايا المظلمة تفتح بابًا آخر من الأسئلة. في بعض الحالات، أظهرت التحقيقات أن الحرائق لم تكن صدفة، بل بفعل فاعل، أحيانًا لأهداف اقتصادية تتعلق بالاستيلاء على أراضٍ محمية، أو لفتح المجال لمشاريع عقارية وزراعية. وفي أحيان أخرى، قد تكون دوافعها سياسية، لإثارة الفوضى أو استنزاف موارد الدولة في الإطفاء والإغاثة. وفي مناطق النزاعات، قد تتحول الغابات إلى مسرح لتصفية الحسابات أو لإخفاء تحركات غير مشروعة.
إن مواجهة حرائق الغابات في العالم العربي تحتاج إلى رؤية مزدوجة: وقائية تعتمد على التخطيط البيئي وإدارة الموارد، وتحقيقية تكشف أيادي العبث وتمنع تكرار المأساة. فالنار لا تفرّق بين بريء ومذنب، لكن خلف كل لهب، قد يكون هناك من يشعل الفتيل عمدًا.
لم تعد حرائق الغابات مجرد أزمة بيئية عابرة، بل تحولت إلى قضية أمن قومي. فالغابة التي تحترق اليوم قد تكون خط الدفاع الطبيعي عن التربة والمناخ والمياه غدًا، وقد يكون ضياعها مدخلًا لفقدان السيطرة على الأرض نفسها. حماية الغابات لم تعد رفاهية، بل هي واجب وطني واستثمار في بقاء الوطن واستقراره.
أ. شادية الغامدي
@shadiyah_gh
عضو جمعية إعلاميون