مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

حرب إلكترونية على حساباتنا.. من يوقف نزيف السرقة؟”

 

في زمنٍ أصبح فيه العالم قريةً رقمية، تحوّلت الحسابات البنكية إلى غنائم في أعين عصابات إلكترونية لا تعرف حدودًا ولا أخلاقًا. أصبحنا نعيش واقعًا مُرًّا؛ حيث ينام الإنسان مرتاح البال، ثم يستيقظ مفجوعًا وقد سُرقت أمواله، وسُلبت خصوصيته، وسُحبت من حسابه كل مدخراته، دون أن يرى حتى ظلّ السارق.
ورغم الحملات التوعوية والتحذيرات المستمرة، إلا أن المحتالين يزدادون دهاءً يوماً بعد يوم، مدججين بأسلحة لا تُرى: كلمات معسولة، وانتحال شخصيات، وخدع تقنية، وأساليب إقناع شيطانية، تجعل الضحية يسلم معلوماته البنكية بكل ثقة، وكأن سحرًا أُسدل على عقله، فلا يفيق إلا والفأس قد وقع في الرأس.
لكن.. هل يكفي أن نواصل التحذير فقط؟ أم أن الوقت قد حان لنبتكر حلولًا ناجعة توقف هذه الحرب الإلكترونية التي تهدد أمننا المعيشي، وتنخر في اقتصادنا من الداخل؟

هؤلاء المحتالون ليسوا مجرد أفراد عابرين، بل شبكات منظمة، بعضها من داخل المملكة، وأكثرها من الخارج، تعمل بذكاء وتنسيق عالٍ، وتتعاون أحيانًا مع أطراف محلية تُمهد الطريق وتزودهم بالمعلومات، أو على الأقل تغض الطرف مقابل حصة من المسروقات.

والسؤال الأهم: كيف يعرفون أنظمة البنوك؟ الجواب ببساطة: من خلال تحليل سياسات البنوك، مراقبة سلوك العملاء، استغلال الثغرات التقنية، أو التجسس عبر التطبيقات والروابط الوهمية، وكل ذلك يتم بذكاء اصطناعي وتجهيز تقني متطور جدًا.

أهدافهم ليست عشوائية.. وليست السرقة فقط هي الهدف، بل أيضًا:
زعزعة الثقة في النظام البنكي، و تمويل عمليات مشبوهة قد تكون مرتبطة بجرائم غسيل أموال أو أنشطة إرهابية، وإضعاف الاستقرار الاجتماعي بزرع الخوف والقلق الدائم بين الناس.

الحلول لا بد أن تكون أكثر جرأة..

التحذير وحده لا يكفي. نحتاج إلى خطة وطنية متكاملة تشمل: تقنيات تحقق (بصمة الوجه ،الصوت) لكل تحويل مالي حساس، وتجريم المساعدة في النصب حتى وإن كانت غير مباشرة، وتجريم التقصير في تأمين الحسابات، وفِرَق تحقيق إلكتروني وطني متخصص تلاحق الجرائم الرقمية. إضافة لذلك، تطبيق ذكي للتبليغ الفوري عن أي محاولات نصب أو روابط مشبوهة، مع تعويض الضحايا بشكل أسرع.
وتثقيف إلزامي لكل عميل بنكي قبل استخدام القنوات الإلكترونية، وليس فقط الاكتفاء بالرسائل التوعوية. وإيقاف التعامل مع تطبيقات الطرف الثالث التي تُطلب منها أذونات مبالغ بها.

و أخيرًا..
إنها حرب من نوعٍ مختلف. حرب خفية لا يُرفع فيها السلاح، بل يُمدّ فيها لُقمة العيش إلى فم السارق طوعًا. لا بد أن نعي أن كل فرد هو خط الدفاع الأول، وأنه مهما كانت التقنيات محصنة، يبقى الوعي والشك الذكي هو الحصن المنيع.

فإما أن نكون ضحايا صامتين،
وإما أن نكون حائط الصد لهذا الغزو الرقمي.

 

أ. هيا الدوسري
‏@HAldossri30
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop