مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

حرية الصحافة.. مرآة المجتمعات؟

 

في زمنٍ تتعدد فيه وسائل الإعلام وتتسارع فيه وتيرة نقل المعلومة، تصبح حرية الصحافة مرآة لوعي المجتمعات وتطورها، بل ومقياساً حقيقياً لرقيها. ويأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة كتذكير عالمي بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية نبيلة، وأن الكلمة الصادقة قد تُحدث فرقاً، وتمنح صوتاً لمن لا صوت له، وتعيد التوازن حين يختل ميزان الحقيقة. في العالم أجمع تتفاوت درجات هذه الحرية، لكنها تبقى مطمحاً تسعى إليه الدول الطامحة للتنمية المستدامة والمشاركة المجتمعية الفاعلة، وتبرز المملكة العربية السعودية اليوم كواحدة من الدول التي تشهد تحولات عميقة في المشهد الإعلامي، حيث تتقاطع حرية التعبير مع روح التطوير والرؤية الطموحة.

في المجتمع السعودي المعاصر، لم تعد الصحافة تقتصر على القلم المطبوع، بل باتت تتنفس عبر شاشات الهواتف، وتعيش في فضاء الإعلام الرقمي، وتُصاغ بلغة المنصات المتعددة. ومع هذا التوسع الهائل في طرق الوصول للجمهور، تنشأ تحديات حقيقية أمام الصحفي والمحتوى؛ فبين سيل المعلومات وسرعة النشر تكمن الحاجة للصحفي المحترف الذي يتحلى بالمسؤولية، وينقل الخبر بدقة، ويحترم السياق المجتمعي والثقافي، دون أن يفرّط في جوهر المهنة: السعي للحقيقة.

حرية الصحافة في السعودية اليوم تمر بمرحلة نضج جديدة، تسير جنباً إلى جنب مع التحولات الاقتصادية والثقافية، وتواكب رؤية 2030 التي تؤمن بدور الإعلام في بناء مجتمع أكثر وعياً وانفتاحاً. أصبح الصحفي السعودي اليوم أكثر تمكيناً، وأكثر قدرة على الوصول للمعلومة، لكن في المقابل، تزداد عليه مسؤولية أن يكون مصدراً للثقة، لا أداة لإثارة الجدل أو نشر الإشاعات. فالمجتمع السعودي بات أكثر وعياً بما يقرأ ويسمع ويرى، وأكثر قدرة على التمييز بين من يستخدم الكلمة للتنوير ومن يستخدمها للتأثير دون وعي.

إن الصحافة الحرة ليست مرادفاً للفوضى، بل هي نظام قائم على التوازن بين الحق في المعرفة والواجب في احترام القيم، بين الحرية والمهنية، بين الجرأة والحكمة. وفي المملكة، تتجسد هذه المعادلة تدريجياً في السياسات الإعلامية، وفي المؤسسات التي تراجع دورها، وفي الصحفيين الشباب الذين يصيغون مستقبلاً إعلامياً أكثر اتزاناً وأصالة.

اليوم العالمي لحرية الصحافة هو مناسبة لتقدير كل من جعل الحقيقة أولويته، وكل من اختار أن يكون صوته منبراً لا صدى. وهو دعوة مفتوحة لأن تستمر المجتمعات، ومنها المجتمع السعودي، في خلق بيئة تحتضن الكلمة المسؤولة، وتدعم الإعلام المستقل، وتؤمن بأن حرية الصحافة ليست ترفاً، بل حجر أساس في بناء وطن متقدم ومجتمع ناضج.

 

أ. صالحة الحربي
salha0987@
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop