أسترجع أيام زمان، بينما كنا نستمتع بالتسوق والتنزه والدعوات دون تفكير في توثيق يومياتنا بالصور قبل وجود برامج التواصل الاجتماعي، وكيف كنا نعيش حياتنا على سجيتها وطبيعتها دون تسليط الأضواء.
وأقارن مانحن عليه اليوم فألمس الفرق ؛ وهو أننا كنا أحرار بالفعل ولم نكن أسرى لهذه العدسات الصغيرة التي تدس أنفها في أدق خصوصياتنا وتقاسمنا أسرارنا وتشاركنا في جميع أوقاتنا ..حتى أصبحنا لا نشعر بالرغبة في الخروج او التسوق والتنزه إلا من أجل أن نوثق تحركاتنا ولا نشعر بالسعادة إلا إذا شاركنا غيرنا سعادتنا .. فما الذي حدث ! ولماذا تغيرنا هكذا؟
الذي حدث ببساطة هو أن ميزان المتعة تغيّر:
فقبل سنوات.. كنا نعيش اللحظة لأنفسنا. المتعة كانت في التجربة ذاتها (الخروج، التسوق، الدعوات، الضحك). لم يكن أحد يراقبنا، ولا أحد ينتظر منا صورة أو إثباتًا. وكانت المشاركة محدودة وداخل دائرة المحيط القريب (أهل، أصدقاء).
أما اليوم..
أصبحت المتعة مرتبطة بـ المشاركة والتوثيق. فالعقل الباطن صار يقول: “إذا لم أوثق ما أعيشه، كأنني لم أعشه حقًا”. السبب أن منصات التواصل جعلت من حياتنا مسرحًا عامًا، وأصبحنا نبحث عن الاعتراف الاجتماعي، الإعجاب، التفاعل ،أكثر من عيش اللحظة بذاتها.
يمكن القول إننا انتقلنا من ثقافة العيش إلى ثقافة العرض.
لم نعد نكتفي بالشعور بالسعادة، بل نحتاج أن نُقنع الآخرين أننا سعداء.
أيضاً، جزء من هذا التغيّر طبيعي لأن الإنسان بطبعه يحب “الاعتراف” و”المشاركة”، لكن المنصات ضاعفت هذا الاحتياج حتى صارت السعادة مشروطة بـ”إعجاب الآخرين”.
في النهاية ؛ نحن لم نتغير بقدر ما تغيرت أدوات التعبير من حولنا، لكنها أثرت على نظرتنا للمتعة. ومن الجميل أن نعيد لأنفسنا التوازن: نعيش اللحظة أولاً.. لأنفسنا، ثم إن أحببنا نوثقها، وليس العكس.
أ. هيا الدوسري
@HAldossri30
عضو جمعية إعلاميون