مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

حين يخفت صوت الإنسان

في زمنٍ تزدحم فيه الأصوات وتتشابك فيه الرسائل، لم يعد الوصول إلى الحقيقة سهلًا كما كان. لم نعد نعرف من يتحدث إلينا: إنسان يحمل فكرًا، أم خوارزمية تقترح ما تظنه مناسبًا لنا. بين هذا وذاك، يختفي الصوت الأصيل الذي وُجد الإعلام لأجله… صوت الإنسان.

تغيّر المشهد الإعلامي جذريًا. لم يعد المتلقي يبحث عن المعلومة، بل صارت المعلومة هي من تلاحقه في كل لحظة. المنصات تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا؛ تعرف ما نحب، ومتى نغضب، وما الذي يجعلنا نتفاعل. لكنها – في المقابل – تسحب منّا مساحة التفكير الحرّ، وتُعيد تشكيل وعينا وفق ما تريده هي لا ما نريده نحن.

في خضم هذا الضجيج، يختبر الإعلامي اليوم مسؤوليته الأصعب: أن يحافظ على صوته الإنساني وسط معادلات الذكاء الاصطناعي، والمقاطع السريعة، والحقائق المشكوك فيها. فالمصداقية لم تعد مجرّد قيمة مهنية، بل فعل مقاومة في زمنٍ يتلاشى فيه العمق أمام بريق الانتشار.
إن أخطر ما يمكن أن يصيب الرسالة الإعلامية اليوم هو أن تفقد ملامحها البشرية. فحين يصبح الخبر رقمًا، والرأي تغريدة، والصورة خوارزمية، من الذي سيحكي القصة؟ من الذي سيحمل مشاعر الناس ويعبّر عنهم بصدق؟
ما زال أمام الإعلامي الحقيقي دور لا يمكن لأي تقنية أن تؤديه. دوره أن يُعيد الإنسانية إلى المحتوى، وأن يذكّرنا بأن خلف كل معلومة قلبًا يفكر، وعينًا تبصر، وصوتًا يشعر. فالخوارزميات قد تُجيد التوصية، لكنها لا تعرف التعاطف، ولا تملك ضميرًا.
وحين يخفت صوت الإنسان، لا يخسر الإعلام صداه فقط… بل يخسر روحه.
ولعلّ أعظم ما يمكن أن يفعله كل إعلامي اليوم هو أن يختار أن يكون إنسانًا أولًا، ثم ناقلًا للخبر، أو صانعًا للرأي. لأننا، ببساطة، لا نحتاج إلى مزيد من الضجيج… بل إلى مزيد من الصدق.

 

أ. خيرية حتاته
‏Khairiah_Writes
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop