مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

خوارزميات فوق الحدود

في زمنٍ صارت فيه الخوارزميات لا تعترف بجغرافيا ولا جدران، لم تعد الحدود السياسية وحدها ما يُرسم على الخرائط، بل صارت البيانات هي حدود العصر الجديد. كل نقرة، كل صورة، كل كلمة تُكتب على منصات التواصل، تتحول إلى جزء من معادلة ضخمة تتغذى عليها الآلة، لتبني قراراتها أسرع من قدرة الإنسان على التفكير في تبعاتها.

اليوم، الخوارزميات لم تعد مجرد أكواد تُبرمج لتنفيذ أوامر، بل أصبحت قوى قادرة على تشكيل السلوك، صياغة الآراء، وتوجيه الأسواق. في المملكة، حيث تتسارع خطوات التحول الرقمي وتتنفس المدن الذكية إيقاع التطور، تلعب الخوارزميات دورًا محوريًا في الخدمات الحكومية، التعليم، الصحة، وحتى الترفيه. من تحليل حركة المرور في الرياض، إلى تخصيص المحتوى الإعلامي وفق اهتمامات الأفراد، نعيش عصرًا حيث الآلة تعرفنا أحيانًا أكثر مما نعرف أنفسنا.

لكن هذه الخوارزميات، حين تتجاوز حدود التقنية إلى عمق الحياة، تطرح أسئلة أخلاقية واجتماعية حادة: كيف نضمن أن قراراتها عادلة؟ من يضع القوانين التي تُقيّد أو تُطلق حريتها؟ وهل نحن – أفرادًا ومجتمعات – نمتلك الوعي الكافي لفهم كيف تُبنى هذه القرارات الرقمية؟

في مجتمعنا السعودي، تتقاطع هذه الأسئلة مع رؤية 2030 التي تراهن على الرقمنة كركيزة للتنمية المستدامة. هنا، “الخوارزميات فوق الحدود” ليست خطرًا بقدر ما هي فرصة، إذا أحسنا توجيهها. يمكن أن تدعم جودة الحياة، تحسن كفاءة الخدمات، وتفتح أسواقًا وفرصًا جديدة. لكن الضمان الحقيقي يكمن في موازنة هذه القوة بالشفافية والمساءلة، وفي بناء بيئة تشريعية وأخلاقية تحافظ على إنسانية القرار، حتى في عالم تحكمه الأرقام.

إنها لحظة تاريخية… حيث الخوارزمية قد تعبر الحدود أسرع من الضوء، لكن مسؤوليتنا أن نتأكد أنها تعبر أيضًا نحو مستقبلٍ عادل وآمن، لنا ولأجيالنا القادمة.

أ.صالحة الحربي
salha0987@
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop