سقطت دمعةٌ من عين الحياة، لا حزنًا علينا، بل خذلانًا مما نسبناه إليها زورًا.
نلعن الحياة، ونحمّلها أوزار أفعالنا، ونلومها على أفكارٍ نُتاجُ عقولنا، ومساراتٍ رسمناها بأيدينا.
الحياة لم تكن يومًا سجّانًا، ولا كانت بابًا موصَدًا. وُلدَت طرقاتها معبّدةً، مشرعةً على مصراعيها، تنتظر من يعبرها بعقلٍ راشد، وقلبٍ يقظ، ووعيٍ لا يختبئ.
لكنّا حين نخطئ، نسير في دروبها فاسدين، نغرس الأشواك بأكفّنا، ثم نصرخ من الألم ونشير نحوها باتهامٍ أعمى.
نحن الذين نُخرّب، ثم نُدين، ونبكي في مسرحٍ كتبنا نحن نصّه، ووزّعنا الأدوار، ثم نسينا أننا الممثلون والمُخرجون معًا.
ما أضيق الأفق حين تصبح الحياة شماعةً لأخطائنا، ومرآةً نكسرها حين لا تُرضينا انعكاساتنا.
نحن من نصنع الواقع، نحن من نغزل خيوط المصير بأفكارنا، بخياراتنا، بسلوكنا، ثم نطالب الحياة بإعادة نسجها على هوا أهوائنا.
ومع ذلك، لا يزال الإنسان بكل أسف هاربًا من مرآته، باحثًا عن مشجبٍ يعلّق عليه فشله، يختبئ خلف جهله، وجنونه، وحماقته…
كأن مواجهة الذات عبءٌ يفوق طاقته، وكأن تحمّل المسؤولية خُلق لغيره.
لكن، مهلاً… ما هي الحياة؟
هل هي كائنٌ حيّ؟ هل تشعر، كما نشعر؟ هل تدرك، كما نُدرك؟
أم أنها اختراع الإنسان حين تعب من مواجهة نفسه، فخلق لها كيانًا وهميًا، يلقي فيه كل ما لا يحتمله من وجعه، فيرتاح؟
هل تساءلت يومًا، أيها الإنسان، عن الحياة: أين تختبئ؟ لماذا لا تظهر لنا وتفتح لنا أبوابها؟
أهي حكرٌ على السعداء؟ أم أنها تُطل فقط على العظماء، وتتوارى عن عامة الناس؟
أم أن الحياة ببساطة… فيك؟
في كيانك، في أعماق روحك، في صدق شعورك وسعة وعيك؟
هي ليست شيئًا مستقلاً عنك، بل أنت، حين تحيا بصدق، حين تكتشف نفسك وتستعيد حضورك، تراها.
فلا تجردها من ذاتك، ولا تفصلها عنك كأنها كائن غريب، الحياة فينا… حقيقة تنتظر الاكتشاف.
هي إحساس غير ملموس، جوهرٌ محسوس، مزيجٌ من السعادة، الحرية، الراحة، الطمأنينة، السلام.
هي نبضٌ يسكن ذواتنا، ويبعث الحياة فينا… لا من خارجنا، بل من عمق أرواحنا.
الحياة اسمٌ مشتق من “الحيّ”، من الإحياء، من دفق الروح والفرح والطاقة الرحمانية في هذا الوجود.
فكيف للإنسان أن يختزل هذا المعنى، ويحرّف الاسم والمبنى، ويطمس الجوهر كله في ظلمات جهله؟
كيف له أن يلبس الحياة عباءة الموت، ويبرمج معناها وفقاً لخذلانه لا لفهمه؟
وإن كانت الحياة كائنًا يؤذينا كما نزعم،
فلماذا لا نراها؟ لماذا لا نحاكمها؟ لا نقتص منها؟
لأن الحقيقة المرّة: أن الحياة لا تُؤذي…
نحن من نؤذي أنفسنا، ثم نقول: الحياة فعلت
فارجع إلى ذاتك، وروحك ..
فإنك حتمًا ستجد الحياة بين زواياك،
في جنباتك تقبع آمنة، مستكنّة، كما أودعها الله فيك.
فإن لم تُدرك وجودها، وإن لم تُحسن إليها، فدعها،
فهي ليست لمن يُنكرها…
بل لمن يُحييها فيه.
أ. هناء الخويلدي
@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون