مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

دور الجامعات في  بناء صورة المملكة

في عالمٍ تتشابك فيه الأفكار وتتقاطع فيه الثقافات، أصبحت الصورة الذهنية للدول مرآةً تعكس قيمها وإنجازاتها وهويتها الحضارية أمام العالم. فالصورة الذهنية ليست مجرد انطباعٍ عابر، بل هي رأسمال معنوي تبنى عليه الثقة، وتستمد منه الأمم مكانتها في ذاكرة الشعوب ووجدانها.
وتُعدّ الصورة الذهنية من المفاهيم الجوهرية في فهم العلاقات بين الدول والشعوب، فهي الانطباع المتكوّن لدى الآخر عن هوية الأمة وقيمهاوإنجازاتها. وبقدر ما تكون هذه الصورة إيجابية، بقدر ما تعزز مكانة الدولة في الوجدان العالمي، وتدعم قوتها الناعمة ومصداقيتها الحضارية.
وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي تحظى بمكانة راسخة على مختلف المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فهي قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وواحدة من القوى الإقليمية المؤثرة في تشكيل المشهدين العربي والإسلامي، إضافة إلى حضورها الدولي المتنامي في مجالات التنمية، والطاقة، والابتكار، والدبلوماسية والوقفات الإنسانية الكبيرة.
ومن هنا تأتي أهمية بناء الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة بوصفها أداة من أدوات القوة الناعمة التي تمكّن الدول من ترسيخ حضورها الحضاري والإنساني في فضاءات التواصل العالمي.
وللمملكة العربية السعودية مكانةٌ خاصة في هذا السياق؛ فهي قلب العالم الإسلامي النابض، ومهوى أفئدة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وواحدة من أكثر الدول تأثيرًا في محيطهاين العربي والإسلامي والدولي. تحتضن الحرمين الشريفين، وتجمع بين الأصالة العريقة والمعاصرة الطموحة التي تجسّدها رؤية المملكة 2030. هذه الرؤية التي جعلت من التنمية الشاملة، والتواصل الإنساني والثقافي محاورَ لبناء صورةٍ مشرقةٍ عن المملكة، يمكن إبرازها للعالم في أبهى حللها: دولةً تنشر السلام، وتؤمن بالإنسان، وتستثمر في العلم والعقول.
وفي ظل رؤية المملكة 2030، باتت الحاجة ماسة إلى تعزيز الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة بوصفها وطنًا للسلام والمعرفة والريادة، وهنا تتجلى أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الجامعات السعودية من خلال وظائفها العلمية والمجتمعية والإعلامية في ترسيخ تلك الصورة وتصديرها للعالم بما يعكس حقيقة المملكة ونهضتها الحديث.
ومن هنا، يتجلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه الجامعات السعودية في تعزيز هذه الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة، فهي ليست مؤسسات تعليمية فحسب، بل منارات فكرٍ وحضارةٍ ومراكز إشعاعٍ علمي وثقافي ؛ حيث تمتلك الجامعات من المقومات والوظائف ما يجعلها قادرة على الإسهام بفاعلية في صناعة تلك الصورة الإيجابية .
والجامعة، من خلال وظائفها الثلاث الكبرى: التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، تستطيع أن تقدم للعالم نموذجًا سعوديًا متفردًا يقوم على الابتكار، والمعرفة، والمسؤولية المجتمعية.
ففي مجال التعليم، تسهم الجامعات في إعداد جيلٍ من الكفاءات الوطنية الواعية بقيمة الوطن وصورته في الخارج، جيلٍ قادرٍ على أن يكون سفيرًا لقيمه وأخلاقه في كل محفل. أما في البحث العلمي، فتتجسد رسالتها في دعم الدراسات التي تُعنى بإبراز جهود المملكة في التنمية والسلام والحوار، وتوثيق منجزاتها في المجالات الإنسانية والعلمية والبيئية.
وفي خدمة المجتمع والتواصل الحضاري، تؤدي الجامعات دورًا جسرًا ثقافيًا وإنسانيًا، عبر المبادرات، والندوات، وبرامج التبادل العلمي والثقافي مع جامعات العالم.
وبحمد الله وتوفيقه ، أبرزت هذا الموضوع و تناولته في كتابي الذي نشره مشروع “سلام للتواصل الحضاري” تحت عنوان:
(دور الجامعات في بناء الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية)،
وهو كتابٌ استند في جوهره إلى أطروحتي للدكتوراه التي نوقشت عام 2020  بإشراف الأستاذة الدكتورة فوزية البكر ، وحصلت على إثرها على درجة دكتوراه الفلسفة من قسم السياسات التربوية في كلية التربية بجامعة الملك سعود، والتي تناولت بالتحليل والدراسة الدور الاستراتيجي الذي من الممكن أن تضطلع به الجامعات في صياغة الصورة الذهنية وتوظيفها كأداة للتواصل الثقافي العالمي.
لقد جاء هذا الكتاب ثمرةَ رحلة بحثية عميقة آمنتُ خلالها بأن الجامعة ليست جدرانًا تُحيط بالعلم، بل هي نافذةٌ تطل على العالم، وسفيرٌ وطنيٌّ يحمل رسالة الوطن إلى الآخر. فالجامعات السعودية بما تمتلكه من إمكانات علمية، وكفاءات بشرية، وشراكات دولية، ومراكز بحوث متقدمة، قادرة على أن تكون أداةً فاعلة في تقديم صورةٍ حضاريةٍ تعكس الوجه الحقيقي للمملكة: وطنُ العلم والسلام والتسامح والريادة.
إن بناء الصورة الذهنية الإيجابية ليس عملاً إعلاميًا عابرًا، بل هو منظومة وعيٍ متكاملة تبدأ من الفكر وتنتهي بالفعل، ومن الكلمة إلى السلوك. والجامعات السعودية اليوم أمام مسؤوليةٍ عظيمةٍ لتجسيد هذه المنظومة، بتخريج عقولٍ تحمل فكرًا وطنيًا منفتحًا، وتنتج معرفةً تُسهم في تقدم الإنسانية، وتُعبّر عن وطنٍ يعتز بهويته ويؤمن برسالته الحضارية.
وهكذا، فإن الدور الذي تؤديه الجامعات السعودية في بناء الصورة الذهنية للمملكة ليس مجرد ترفٍ أكاديمي، بل هو رسالة وطنية سامية، وامتداد طبيعي لمسيرة وطنٍ اختار أن يكون في مقدمة الأمم علمًا، وحكمة، وسلامًا ، وأن يحلق في عنان السماء.
 وختاماً ؛ فإن بناء الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة العربية السعودية ليس عملاً إعلاميًا مؤقتًا، بل هو منظومة فكرية وتنموية متكاملة تبدأ من مؤسسات العلم وتنتهي في ضمير العالم. وتتحمل الجامعات السعودية مسؤولية كبرى في هذا البناء؛ فهي منصات إشعاعٍ معرفي وثقافي تمثل المملكة أمام العالم في كل محفل، وتنقل للعالم قيمها في التسامح والعلم والإنجاز.
وحين تؤدي الجامعات دورها بكفاءةٍ ووعي، فإنها تسهم في رسم لوحةٍ حضاريةٍ مشرقة تُظهر المملكة كما هي حقًا: وطن الرسالة والريادة، وطنٌ يجمع بين عمق التاريخ وشموخ الحاضر، ويصوغ ملامح المستقبل بعقول أبنائه وإبداع مؤسساته.
د. عبدالعزيز العنزي
‏@Audd1231Audd123
عضو جمعية إعلاميون
شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop