مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

رحلة الإيمان .. مع “الحج”

في صباح يوم مشمس، جلستُ في شرفتي، أنظر إلى المدينة التي أحببتها منذ صغري. كانت أشعة الشمس تلامس وجهي، وتمنحني شعورًا بالسكينة والهدوء. في تلك اللحظة، استرجعت حلمي القديم الذي راودني لسنوات؛ حلم الحج. كنت أستمع إلى قصص من حولي عن هذه الرحلة العظيمة، عن الروحانية والتواصل مع الله، وعن اللحظات التي تتجلى فيها معاني الإيمان الحقيقية.

قررت أن أبدأ استعداداتي. اتصلت بأصدقائي وعائلتي، وكانت المفاجأة أن الجميع كان متحمسًا للذهاب معي. بدأنا في التخطيط والتجهيز، وشاركنا في دورات تعليمية حول مناسك الحج وكيفية أدائها بالشكل الصحيح. كانت الأيام تمر بسرعة، وكلما اقترب موعد الرحيل، زاد شغفي وتحمسي.

وعندما جاء اليوم المنتظر، اجتمعنا في المطار، وكانت القلوب مليئة بالفرح والترقب. وبينما كنا على متن الطائرة، بدأت أتأمل في معاني الحج. كنت أدعو الله أن ييسر لنا الطريق، وأن تكون هذه الرحلة بداية جديدة في حياتي.

بعد ساعات من السفر، وصلنا إلى مكة المكرمة. كانت الأجواء مفعمة بالروحانية، والناس من جميع أنحاء العالم يتجهون نحو الكعبة. أحسست برهبة عظيمة وأنا أقترب من البيت الحرام. كان الازدحام حول الكعبة يثير في قلبي مشاعر لا توصف. بدأت أتحدث مع الله في صمت، أعبر عن أمنياتي وأطلب المغفرة.

وصلنا إلى صعيد عرفة، والقلوب تلهج بالدعاء، دعوات مختلفة بلهجات متباينة، كلٌ يرجو ما عند الله. كنت أستمع إلى أصوات المؤمنين، في هذه اللحظة العظيمة، حيث يقف الجميع سواسية أمام الله، يرفعون أكف الدعاء. هنا، في هذا المكان المبارك، شعرت أنني جزء من شيء أكبر، أنني أنتمي إلى عائلة الإنسانية.

ثم انتقلنا إلى مزدلفة. لم أكن ألتقط حصيات فحسب، بل كانت كل حصاة أجمعها تجتمع معها أنفاسي حبًا وشوقًا لاكتمال حجي. كنت أشعر بأن كل حصاة تحمل معها دعوة، وكل دعوة تحمل معها أملًا. في تلك اللحظات، تذكرت حجة الوداع، كيف وقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الساحة، مذكراً الناس بأهمية الوحدة والسلام.

خلال أيام الحج، عشت لحظات مميزة. تأملت في المشاعر التي يجلبها الوقوف على عرفة، وفي الفرح الذي شعرت به أثناء رمي الجمار. كانت كل لحظة تمر تحمل معها دروسًا عن الصبر، والتسامح، والمحبة.

وفي اليوم الأخير، وقفت مع أصدقائي في الطواف حول الكعبة، وكانت الدموع تتساقط من عيني. شعرت أنني ولدت من جديد، وأنني تحملت عبءًا من الروحانية الجياشة. كنت أعلم أن هذه الرحلة ليست مجرد مناسك، بل هي تجربة سترافقني مدى الحياة.

عدت إلى منزلي، لكنني لم أعد كما كنت. كنت أحمل في قلبي شعورًا عميقًا بالسلام، وعزيمة قوية لأكون أفضل. أدركت أن الحج ليس مجرد رحلة إلى مكان مقدس، بل هو رحلة داخل النفس، رحلة نحو الإيمان الحقيقي.

وبذلك، انتهت رحلتي، لكن بدايتها كانت فقط. رحلة جديدة بدأت في داخلي، رحلة من الإيمان والتغيير، حيث أصبحت أسعى دائمًا إلى أن أكون أفضل نسخة من نفسي.

 

أ. سهام عماري
sehamamari@
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop