مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الصراع التجاري الأمريكي الصيني

21/04/2025

حين أشعلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرب الرسوم الجمركية، لم يكن الدافع اقتصاديًا صرفًا كما بدا، بل كان تعبيرًا عن تحول جذري في فهم الولايات المتحدة للعولمة؛ من كونها أداة للنمو المشترك إلى وسيلة لإعادة التموضع الإستراتيجي.

فتحولت «الجمركة» من سياسة تجارية إلى سلاح جيوسياسي يعيد هندسة النظام العالمي على مقاس من يملك مفاتيحه.

لكن، ماذا لو انعكست الأدوار؟ ماذا لو كانت الصين هي من بدأت الحرب التجارية؟ كيف كانت ستبدو موازين القوى؟ هل كانت ستنتج نسخة صينية من مشروع الهيمنة؟ أم أن بكين كانت ستقع في فخ إستراتيجي محكم؟

لفهم هذا السيناريو الافتراضي، لا بد من تفكيك البنية الاقتصادية لكل طرف. تمتلك الولايات المتحدة سوقًا داخليًا ضخمًا يشكّل أكثر من 72 في المائة من ناتجها المحلي، مما يمنحها قدرة على امتصاص صدمات الرسوم وارتفاع الأسعار دون أن تهتز بنيتها الاقتصادية. وتملك أيضًا العملة العالمية، الدولار، كأداة تسعير، ووعاء ادخاري وأداة لتسوية المخاطر والتبادلات عبر الحدود. وخلف هذا كله، تقف منظومة قانونية مستقرة، وأسواق مالية تقترب قيمتها من 60 تريليون دولار، واحتياطيات ضخمة تمنحها ثقة دولية في أي نزاع تجاري.

في المقابل، يقوم الاقتصاد الصيني على قاعدة تصديرية مرتبطة بشدة بالطلب العالمي؛ إذ تعتمد قرابة 70 في المائة من أنشطته على سلاسل التوريد والتجارة الخارجية، ويشكّل السوق الأمريكي وحده أكثر من 15 في المائة من صادراته. أي اضطراب في هذه العلاقة يعني مباشرة تراكم المخزون، وتسريح العمالة، وتباطؤ النمو الذي تحرص بكين على إبقائه عند حدود 5 في المائة سنويًا.

والأسوأ، أن فقدان ثقة المستثمرين قد يكلّفها ما يفوق 1.5 تريليون دولار من الناتج المحلي، عبر تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي.

بالمعطيات وحدها، تُحسم المعركة. فالولايات المتحدة تتفوق بالأرقام وبقدرتها على استخدام النظام العالمي نفسه لصالحها. لم تنسحب من منظمة التجارة العالمية، لم تُلغِ الدولار، لم تنشئ نظامًا بديلاً، بل أعادت برمجة أدوات النظام القائم لخدمة أهدافها.

أما الصين، فإن أي مبادرة هجومية من جانبها كانت ستُقرأ كتمرّد على النظام الذي مكّنها من الصعود، وستفقد بذلك شرعية «الشريك الصاعد»، وتدخل منطقة «الخصم المتمرد»، ما يعرّضها لعزلة دولية وردع سياسي غير مباشر من حلفاء المنظومة القائمة.

في كل نزاع اقتصادي، لا يكفي أن تملك القوة، بل ان تملك الحق في استخدامها ضمن السياق الدولي.

وهنا تتجلى «رفاهية البدء» كامتياز لا يتوافر إلا لمن يمتلك فائض القوة، ودعامة مؤسساتية متماسكة، وعملة سيادية نافذة، وتحالفات تجارية مرنة، وسوقا داخليا قادرا على امتصاص الأزمات. هذا الامتياز تملكه أمريكا؛ أما الصين، فهي لا تزال في طور بناء أدواتها ضمن قواعد اللعبة، لا خارجها.

حتى خطاب الحرب كان سلاحًا بحد ذاته. ترامب لم يقدّم موقفه كعدوان، إنما كدفاع عن بلاده ضد «الظلم التجاري»، وسرقة الملكية الفكرية، والعجز في الميزان.

بكلمات بسيطة، نجح في تصدير صورة أمريكا كضحية تسعى للإصلاح، لا كقوة تسعى للخراب. لو كانت بكين هي من بدأت، لانقلبت السردية، وظهر التنين كمعتدٍ ينقلب على النظام الذي رعاه وصعد في كنفه.

في الحروب التجارية، لا يكفي أن تملك السلاح، بل إن تملك القصة التي تُقنع العالم بجدوى استخدامه.

 

 

م. سطام آل سعد

‏@Sattam_Alsaad

عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop