(( خرج من البيت على عجل، نسي هاتفه، عاد ليأخذه، نسي مفاتيحه، عاد مجددًا، نسي لماذا خرج أصلًا. قال: لا بأس، المهم أن أبدأ يومي بنشاط )) تبدأ الحكاية غالبًا هكذا، بارتباكٍ صغير يُشبه حياتنا الكبيرة.
كل شيء يدور بسرعة… نريد أن نعيش اليوم والغد معًا، أن نُنجز ونُسافر ونفرح ونغضب في الوقت ذاته، وكأننا نخشى أن يفوتنا البث المباشر للحياة.
رأيت من يعبر الإشارة الحمراء وكأنه يطارد موعدًا مع القدر، ومن يرد على الرسائل بصيغة “سريعًا قبل أن أُفكر”، ومن يستمع للآخرين فقط بانتظار دوره في الكلام ، حتى في مشاعرنا أصبحنا مستعجلين: نحب بسرعة، نغضب بسرعة، وننسى أسرع!
كأن الرفق أصبح رفاهية لا يقدر عليها إلا القادرون على التمهّل، نريد كل شيء الآن، حتى الراحة نحاول أن نأخذها في عشر دقائق “كوفي بريك”! عن رسول الله ﷺ قال: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه.”
جميلة هي هذه الوصية، ليتها تُعلّق على إشارات المرور، وعلى أبواب البيوت، وحتى على شاشات الهواتف، رفقًا بأنفسكم، فالحياة ليست سباقًا إلى النهاية، بل فسحة تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها الصغيرة: فنجان قهوة بسلام، مشي بلا استعجال، ضحكة بلا تفكير في الخطوة التالية، الجميل في الحياة لا يظهر في لحظات الركض، بل في لحظات الوقوف القصيرة حين نلتقط أنفاسنا ونقول لأنفسنا بهدوء: كل شيء سيأتي في وقته، فلمَ العجلة؟
د. جواهر الروقي
@joj_alrogi
عضو جمعية إعلاميون