27/03/2025
لا شك أن لشهر رمضان روحانية خاصة تسكن كيان المسلم؛ استشعارا منه بعظمته كشعيرة دينية وركن ركين من أركان الإسلام الخمسة التي لا يتم إلا به؛ يستجمع من خلاله القوى الإيمانية ليعيش نشوة الطاعة وسكينة الطمأنينة.
وبما أن “الصيام جُنَّة” يتشرب من خلاله الصائم العديد من القيم والآداب التي تعد معياراً للشخصية المتزنة كالصبر والتحمل والصفح والعفو والنبل والكرم الأخلاقي لتكون بمثابة أداة تحكم على ضبط النفس والتصرف الواعي العقلاني بحكمة وتؤدة، بل ومسؤولية عالية تنزهه عن الانزلاق وراء ثورات الانفعالات المستعرة أو المستفزة، ليكون الصيام بمثابة تطبيق عملي للتربية القويمة التي تترجم الحكمة من فرض الصيام، كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي ﷺ عن ربه- جل وعلا- قال: قال الله: “كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنَّه لي،وأنا أجزي به، الصيام جنة، إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”
في تأكيد بأن من لم يردعه الصوم عن التعدي والبذاءة فليس من العبادة في شيء، فالعبادة سلوك وتسامح وتعامل لا استحواذ أو سطوة أو صخب واختلاق مشاكل مع الآخرين!
إنه عملٍ جليل يكتسب قيمته من تلك المكافأة المفتوحة التي لا حدَّ لجزائه، ولا تقدير لثوابه، فالواهب الكريم المتعال؛ ومن أحسن من الله عطاءً؟!!
وما ذاك إلا لتعظيم الله- تعالى- لهذا العمل الشاق الذي يتطلب نفساً رضية طائعة منصاعة غير مترددة في الاستجابة لأمر الله؛ ليدع معه طعامه وشرابه وملذاته؛ احتسابا للآجر وابتغاء لمرضاة الله؛ مجاهدة للنفس وترويضاً للجسد- وإن أنهكه التعب أو أضناه الحرمان- {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69]
نعم، الصيام تدريب عملي وممارسة فعلية يخرج من خلاله الإنسان بقيم عالية تتأصل كعادات تميز المسلم عن غيره ليكون مثالاً صادقا في التحلي بمكارم الأخلاق ونبل الطباع ليرتقي لمصاف الأخيار بل ليحظى بصحبة خير الأنام” إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا” رواه الترمذي
ليأتي تأكيد النبي الأعظم على أن قيمة الصوم في الأثر الذي يطبعه في النفس وإلا لأصبح مفرغاً من قيمته، محروماً من أجره، ليس له إلا الجوع والعطش، إذ يقول ﷺ: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل- أي الظلم- فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
إنه شحن لعلو الهمة والاعتزاز بالنفس لتترفع عن بذيء القول وقبيح العمل، ليكون مثلاً أعلى كشخصية اعتبارية تمثل الوعي في أعلى درجاته!
إنه حفظ للجوارح من أي عمل مخالف أو تعدٍ غير مشروع يلحق الضرر بالنفس أو الغير، وكأنما هو ميثاق يجمع خيري الدنيا والآخرة، ليحيط الإنسان بطوق نجاة تقيه مهالك السوء ومسالك الفساد ليعيش لذة الحياة بأمان وسكينة، ولينعم بالهدوء والطمأنينة، كما قال ابن تيمية: “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة”
ذلك بأن الأصل في العبادات ليس التبتل والانقطاع، ولا الجشع وحب الذات أو الجفوة والقسوة والجلافة وعدم الانصياع بل يقاس بحسن التعامل ولين الجانب والتعاطف وحسن العشرة والجوار والمصاحبة بالحسنى والعطاء والإحسان وفعل الخيرات، وتلك جسور تصل القلوب ببعضها ليحصل التواد وتسود المحبة والألفة بين أفراد الأسرة والمجتمع ليكونوا بنعمة الله أخواناً متحابين!
تقبل الله من الجميع الصيام وصالح الأعمال!
أ. فلاح الزهراني
@alzahrani_falah
عضو جمعية إعلاميون