مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

سُبات الإدراك..

ثمة لحظة لا تُدوَّن ولا يُعلن عنها… لكنها تغيّر كلّ شيء لا تأتي مبكرًا، ولا حين نطلبها بل حين تنضج فينا بذور السؤال: هل كنت هناك فعلا ؟
في حياة كلّ إنسان برهةٌ لا تُشبه ما قبلها لحظة ينكسر فيها الصمت الداخلي وتُرفع الغشاوة التي طالما زُيّنت بالحكمة الزائفة أو الواجب الموروث. تلك ليست لحظة انهيار بل يقظة متأخرة تحمل من النور ما يكفي لقراءة العمر بأثر رجعي.
ليس كل ضياعٍ يُقاس بالخسارة فبعض ما يضيع لا يُفتقد إلّا حين تفيق الذات من غفلتها الطويلة.
تلك اللحظة التي لا يُدوَّن تاريخها لكنها تحفر مجراها في أعماق الروح حين يُدرك الإنسان أنه منح عمره بسخاءٍ نبيل لما لم يكن يومًا جديرًا بكل هذا العطاء.
ليس الحديث عن لحظة ندم بل عن لحظة تمييز بين ما استُهلك وما استُحق، بين ما ظُنّ أنه واجب وما كان في جوهره استنزافًا مستترًا باسم الالتزام أو الحب أو الوفاء او اثبات الوجود ..
تستيقظ فجأة لا لأن شيئًا خارجيًا تغيّر بل لأن مقاييسك الداخلية تهشّمت فجأة أمام الحقيقة
تتأمّل ما بذلت من جهد في عملٍ لم يمنحك إلا فتات الاعتراف اوفي مسيرةٍ وظيفية رهنت وقتك وطاقتك لسلّم لا نهاية له.
تتذكّر السنوات التي وضعت فيها ذاتك على الهامش لتبني استقرارًا للآخرين، أو تُرضي تصورات لا تخصك.
تُحصي القرارات التي اتُّخذت باسم العقل وكانت في جوهرها خوفًا مؤجَّلًا. وتنظر خلفك، فترى:
أنك كنت هناك، لكن دونك. تقدّمت، لكن نحو ما لا يُشبهك..
أنجزت لكن بلا أثرٍ يخصّك ..
الإدراك المتأخر ليس مأساة بل امتياز الوعي حين ينضج.
أن تأتي متأخرًا، خير من أن تبقى غارقًا في وهمك حتى النهاية. والنباهة المتأخرة حين تكون صادقة أنفع من الغفلة المريحة.
لا حاجة إلى تدمير كل ما مضى بل إلى إعادة المعنى إليه.. لا إلى رفض العالم بل إلى استعادة نفسك من بين يديه.. أن تعيد ترتيب جدول أولوياتك لا بحماسة من يثأر بل بحكمة من نجا.
أن تعمل ولكن حيث يُثمر عملك وأن ترتبط ولكن حيث تُزهر إنسانيتك.. وأن تُعطي ولكن من فائض الوعي لا من فقر التقدير ..
في النهاية، الإدراك ليس آخر الطريق بل بدايته الحقيقية.. والمتأخر، ليس من فاته القطار بل من لم يسأل يومًا إلى أين يُسافر؟
أما من سأل — ولو بعد سنوات — فقد عاد إلى نفسه وهي أعظم محطة.

 

أ. مها الثبيتي
‏@maha_thobaiti
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop