مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

شرط عدم المنافسة في ضوء الأنظمة السعودية

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية، باتت الأصول غير الملموسة – كالمعرفة الفنية، والعلاقات التجارية، والبيانات الاستراتيجية – توازي في أهميتها الأصول المادية إن لم تتفوق عليها. ولهذا، أصبح من الضروري على الشركات والمؤسسات أن تتخذ إجراءات استباقية لحماية هذه الأصول من التسرب أو الاستغلال غير المشروع، خصوصًا بعد انتهاء العلاقة التعاقدية مع الموظفين.
ومن أبرز الأدوات القانونية المستخدمة لتحقيق هذه الغاية يأتي شرط عدم المنافسة، الذي يُعد صمام أمان للمنشآت الراغبة في حماية مكتسباتها من الاستخدام غير المصرّح به.
ما هو شرط عدم المنافسة؟
شرط عدم المنافسة هو اتفاق قانوني يُلزم الموظف – بعد انتهاء عقد عمله – بعدم الدخول في أنشطة تجارية مشابهة أو منافسة لنشاط صاحب العمل، وذلك لمدة زمنية محددة وفي نطاق جغرافي معيّن. وهو ليس قيدًا تعسفيًا، بل وسيلة لحماية مصالح مشروعة إذا ما تم استخدامه ضمن حدود القانون والعدالة.
لماذا تلجأ الشركات لهذا الشرط؟
الدوافع متعددة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
•حماية البيانات والمعلومات الحساسة التي قد يطّلع عليها الموظف خلال فترة عمله.
•منع تسرب الأسرار التجارية إلى المنافسين أو استخدامها في مشاريع خاصة.
•الحفاظ على شبكة العملاء والعلاقات التجارية التي بُنيت عبر سنوات.
•الحد من إنشاء كيانات منافسة من قبل موظفين سابقين يستخدمون خبراتهم السابقة ضد صاحب العمل.
متى يكون شرط عدم المنافسة قانونيًا؟
رغم أن هذا الشرط مشروع، إلا أن النظام السعودي يفرض ضوابط صارمة لضمان عدم استغلاله بطريقة تقيّد حرية العمل. ولكي يكون شرط عدم المنافسة ملزمًا وقابلًا للتنفيذ، لا بد من توافر الشروط التالية:
1.الوظيفة الحساسة: أن يكون الموظف قد شغل منصبًا يتيح له الاطلاع على أسرار العمل أو معلومات استراتيجية.
2.الاطلاع الفعلي: يجب أن يكون قد حصل بالفعل على تلك المعلومات خلال فترة عمله.
3.التوثيق الكتابي: لا يكفي الاتفاق الشفهي، بل يجب أن يُحرر الشرط كتابيًا ضمن عقد العمل أو في اتفاقية مستقلة موقعة من الطرفين.
4.تحديد النطاق بدقة: يجب توضيح النشاط التجاري الممنوع، والمدة الزمنية (التي لا تتجاوز سنتين)، والموقع الجغرافي الذي يُطبق فيه الشرط.
5.العدالة في التقييد: يجب أن يكون الشرط متوازنًا، لا يُقيد الموظف بشكل مفرط أو غير مبرر.
ماذا يحدث في حال مخالفة الشرط؟
في حال خالف الموظف الاتفاق وانخرط في نشاط منافس، يمكن لصاحب العمل اتخاذ سلسلة من الإجراءات القانونية، تبدأ بالتسوية وتنتهي بالقضاء:
•التقدم بشكوى رسمية إلى وزارة الموارد البشرية خلال عام من تاريخ اكتشاف المخالفة.
•إرفاق الوثائق الداعمة، مثل عقد العمل أو الاتفاقية التي تتضمن شرط عدم المنافسة.
•السعي لحل ودي عبر مكتب التسوية الودية.
•اللجوء إلى المحكمة العمالية عبر منصة “ناجز” في حال تعذر الوصول إلى حل ودي.
•المطالبة بتعويض عن الأضرار إذا ثبتت المخالفة وأثرها على المنشأة.
الرأي القانوني: توازن بين الحق والحماية
رغم أهمية هذا الشرط، إلا أن تطبيقه يجب أن يكون بحذر ووفقًا لما يضمن العدالة لجميع الأطراف. فالهدف ليس قمع حرية العمل، بل حماية المصالح التجارية المشروعة. ولهذا، يجب صياغة الشرط بطريقة متوازنة تضمن صلاحيته القضائية وتمنع إساءة استخدامه.
توصيات ختامية
•تحديث العقود: على الجهات الحكومية والخاصة مراجعة نماذج عقود العمل والتأكد من إدراج شرط عدم المنافسة عند الحاجة، بما يتوافق مع الأنظمة.
•تأهيل الكوادر: يُنصح بتدريب أقسام الموارد البشرية والشؤون القانونية على فهم هذا الشرط وتطبيقه بطريقة صحيحة.
•الاستشارة القانونية: من الأفضل دائمًا الاستعانة بخبراء قانونيين عند صياغة هذا الشرط لضمان التوازن والعدالة والفعالية.
في عصر تتسارع فيه المنافسة وتزداد فيه قيمة المعرفة، يصبح شرط عدم المنافسة أكثر من مجرد بند قانوني… إنه أداة استراتيجية لحماية استدامة الأعمال، إذا ما طُبق بذكاء وإنصاف.
أ‌. سهام عماري
@sehamamari
عضو جمعية إعلاميون
شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop