في لحظةٍ ما، وسط صخب الحياة، نكتشف أننا لم نعد كما كنّا، وأنّ الأشياء من حولنا لم تَعُد تحمل البريق ذاته. قد يكون القلب قد تهشّم إثر خيبة، أو أنّ الروح انكسرت تحت وطأة الفقد، أو أنّ الحلم تهاوى أمام صخرة الواقع. ومع ذلك، ما زلنا هنا… نتنفّس، ننهض، ونمضي.
إنه ذلك “الشرخ” الذي لا نريده، ولا نحتمله، لكنه يحدث… ويكون – بطريقةٍ ما – ضروريًا. فكما قال ليونارد كوهين: “هناك شرخ في كل شيء، وهكذا يتسلّل النور”.
الشرخ ليس نهاية، بل بداية. إنه إعلان غير معلن أن النضج لا يأتي بلا ألم، وأنّ النور لا يعرف طريقه إلا من خلال الشقوق التي تفتحها الحياة في جدارنا الصلب.
ربما نحتاج إلى هذا الشرخ لنرى أنفسنا من جديد؛ بلا أقنعة، بلا زيف، بلا تكلّف. لأن الإنسان لا يُدرك قوته في أوقات السلام، بل في لحظات الانكسار. حين تنكسر، ترى داخلك بوضوح، وتُدرك أن ما كان يُخيفك ليس سوى ظلّ، وأنّ ما تظنه ضعفًا هو في الحقيقة شجاعة تأخذ شكلاً آخر.
لقد تعلّمنا أن نخجل من انكساراتنا، أن نُخفيها، أن نُلمّع صورتنا كي لا يظنّ الآخرون أننا ضعفاء. لكن الحقيقة أن الشرخ جزء من إنسانيّتنا. بل لولا الشرخ، لما عرفنا معنى التئام الجراح، ولما قدّرنا ضوء النور حين يتسلّل بخجلٍ عبر تصدّعاتنا.
في النهاية، لسنا مصنوعين من فولاذ، ولسنا مطالبين بالكمال. نحن مصنوعون من تجارب، من خيبات، من أحلام لم تكتمل، من رحيلٍ مؤلم وبداياتٍ خجولة، من لحظاتٍ أظلمت وأخرى أشرقت، ونحن – بكل هذا – جميلون.
كان لا بدّ من شرخٍ ما… لأن النور لا يحبّ الدخول من الأبواب المغلقة.
فالشرخ ليس ضعفًا، بل بداية النور؛ فكل انكسار يولد منه ضوء مختلف، وبعض الانكسارات تصنع فينا نورًا لا يُطفأ.
فالنور لا يتسلّل إلا من التصدّعات، وأجمل النضوج يأتي بعد كسرٍ موجع.
لذا، لا تخجل من الشرخ، فهو ما جعلك ترى الحياة بصدق؛ فحين ينكسر القالب، تتكلم الروح،
ولأنّ كل شرخٍ فيك، بابٌ فتحه الله للنور…
من رحم الشرخ، يولد وعيٌ جديد.
أ. حياة القصيري
@hayatMEA2030
عضو جمعية إعلاميون