يُعدّ التعلّم أحد أهم المحركات التي تدفع الإنسان نحو النمو، فهو ليس مجرد عملية معرفية نمرّ بها في مراحل محددة من العمر، بل هو مسار ممتدّ يرتبط بفلسفة الحياة ذاتها. فكل تجربة، وكل معلومة جديدة، وكل مهارة نكتسبها، تشكّل لبنة في بناء الذات وصقل الشخصية، وتمنح الإنسان رؤية أوسع للعالم ولما يريد أن يكونه.
لطالما آمنت بأن شغف التعلّم لا يرتبط بعمر أو وظيفة أو مرحلة دراسية، بل يرتبط بوعي الإنسان وقدرته على رؤية القيمة الحقيقية للمعرفة. فالتعلّم ليس ترفًا، بل حاجة أساسية تضمن استمرار التطوّر وتمنح الفرد القدرة على مواكبة العالم المتجدّد من حوله. وكلما ازداد الإنسان علمًا، اتسعت حدود إدراكه، وازدادت ثقته في قدرته على اتخاذ قرارات أكثر حكمة ونضجًا.
إن حب التطوّر ليس مجرد رغبة في تحسين المستوى المهني أو تحقيق إنجازات شخصية، بل هو التزام داخلي يرى في كل يوم فرصة جديدة للارتقاء. فالتطوّر الحقيقي يبدأ من الداخل؛ من رغبة صادقة في تجاوز حدود المعتاد، وتحدي الذات، وتصحيح الأخطاء ومحاولة بناء نسخة أفضل من النفس. وقد أثبتت التجارب أن الأشخاص الذين يمتلكون شغفًا بالتعلّم هم الأكثر قدرة على التكيّف مع المتغيرات، والأسرع في اكتساب المهارات، والأكثر مرونة في مواجهة التحديات.
وفي واقع سريع الإيقاع، لم يعد التعلّم خيارًا يُترك للفترات المتفرغة، بل أصبح ضرورة تحكم جودة الحياة ومستقبل الفرد. فالمعرفة اليوم لم تعد محصورة في الكتب والدورات، بل أصبحت متاحة في كل مكان؛ في العمل، وفي التجارب اليومية، وفي المواقف البسيطة التي نمر بها. والمهم ليس حجم ما نتعلمه، بل قدرتنا على تحويل هذا التعلم إلى قيمة حقيقية تنعكس على سلوكنا وطريقة تفكيرنا.
إن شغف التعلّم وحب التطوّر هما وقود النجاح وأساس الاستمرارية، وهما أعظم الاستثمارات التي يمكن أن يقدمها الإنسان لنفسه. فالمعرفة تمنحنا القوة، والتطوّر يمنحنا الثقة، والاثنان معًا يشكّلان الطريق الذي يقودنا نحو مستقبل نصنعه بإرادتنا واختيارنا.
وفي النهاية، يبقى السؤال الحقيقي: هل نتعلم لنعيش؟ أم نعيش لنتعلم؟
وبالنسبة لي، أجد أن الحياة لا تكتمل إلا عندما يصبح التعلّم جزءًا من هويتي… وطريقًا لا نهاية له.
أ. سهام عماري
sehamamari@
عضو جمعية إعلاميون