صناعة الأثر بوعي ليست سعيًا نحو الأضواء، ولا سباقًا لنيل الإعجاب، بل هي رحلة عميقة داخل الذات، تبدأ من لحظة صدق مع النفس، حين نعي أن القيمة الحقيقية تكمن في ما نمنحه للعالم لا في ما نأخذه منه. هي مسار ينصهر فيه الفكر بالإحساس، والنية بالفعل، والمسؤولية بالإخلاص، حتى يصبح الإنسان صانع أثرٍ يُحدث فرقًا دون ضجيج، ويترك بصمته دون أن يطلب اعترافًا. فالأثر الواعي لا يقاس بما يُقال عنا، ولا بعدد الأعين التي ترانا، بل بعمق التغيير الذي نُحدثه في وعي الآخرين، وبكمّ النور الذي نزرعه في طرقاتهم. هو طاقة خفية صادقة، تضيء الطريق من دون أن ترفع صوتها، وتغرس في الوجدان شعورًا بالسلام والامتنان لا يُمحى. فحين نعمل بوعي، ندرك أن كل كلمة نقولها، وكل موقف نتخذه، وكل قرار نصدره، إنما هو رسالة تعبّر عن قيمنا الداخلية، وتكشف جوهر ما نحمله من صدقٍ أو زيف.
الأثر الحقيقي لا يولد من الرغبة في الظهور، بل من الإخلاص في العطاء، ومن الإيمان بأن التأثير في الناس مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مجدًا شخصيًا. إنه امتداد للنية الطيبة، وتجسيد للضمير المهني والإنساني في أبهى صوره. فصناعة الأثر الواعي تبدأ من بناء الذات على أسس راسخة من القيم، ومن صقل الفكر بالتأمل والتجربة، ومن تهذيب المشاعر حتى تثمر تسامحًا واتزانًا في التعامل مع الآخرين. وحين يبلغ الإنسان هذا الوعي، يدرك أن كل فعلٍ صغير يمكن أن يفتح بابًا كبيرًا للنور، وأن كل علاقة تُبنى على الاحترام يمكن أن تكون مساحة خصبة للخير، وأن كل منجز يقدَّم بإخلاص يمكن أن يتحول إلى مصدر إلهامٍ للآخرين. فالأثر لا يُصنع بالصدفة، بل بالنية الواعية والعمل المتقن، وبالإيمان العميق بأن الله يبارك كل ما يُقدَّم من القلب. ويبقى الأثر الحقيقي هو ما يظل حيًا بعد أن نغيب، لأنه لم يُكتب بالحبر ولا بالكلمات بل نُقش في القلوب بالقدوة، وبجمال الموقف، وصدق النية، وعمق الإخلاص.
أ. نادية الجودي
@Nadiaaljoud
عضو جمعية إعلاميون