جلست قرب النافذة تحدق في الشارع المزدحم بأعراس صديقاتها ، وأصوات الناس تتردد في أذنيها “البنات اللي بعمرك تزوجوا، إنتِ ليه باقي؟”
ابتسمت ابتسامة هادئة لكنها شعرت بثقل السؤال ،وكأن حياتها كلها تُقاس بموعد زواجها وكأن الكمال لم يُخلق إلا مع رجلٍ بجانبها.
وهنا يأتي السؤال: فاتها من ماذا؟ أي حياةٍ فقدت؟ أي سعادةٍ فاتها؟ الحقيقة أن الحياة لا تُقاس بزواج ،وأن القطار الذي يردد الناس أنه “يفوت” لا يفوت من قدر الله له نصيب فيه ، ولا يحدد الزمن قيمة الإنسان أو نجاحه.
الزواج جميل حين يكون اختيارًا واعيًا وناضجًا ،قرارًا مبنيًا على القناعة والتفاهم والتكامل بين شخصين ،لكنه ليس مقياسًا للسعادة أو ضمانًا للاستقرار، ولا معيارًا للكمال. كثير من النساء تزوجن خوفًا من المجتمع ،أو لتجنب لقب “العانس” فوجدن أنفسهن أمام حياة مليئة بالتقييد والحرمان النفسي.
وعلى العكس كثيرات عاشن حياتهن بلا زواج وحققن إنجازاتٍ عظيمة وبنين أثرًا خالدًا في مجالات العلم والفكر والعمل الإنساني.
هنا تكمن الحقيقة العميقة: أقدار الله كلها خير فسبحانه وتعالى مستحيل أن يقدر الشر لعبده حتى في أشد المحن ،كما قال الحسن البصري رحمه الله: “لو تكشفت لي الأقدار لاخترت قدر الله واختياره لي.” ،إذا استشعرنا هذه الحقيقة سنعيش حياتنا مرتاحين مطمئنين ،ولن يثقل علينا الخوف من ما لم يأت بعد.
الله سبحانه وتعالى هو من يرتب لك حياتك وربما كان في زواجك هلاكك أو تعاستك فلا تقلقي ،فالقضاء والقدر بيده سبحانه ،وهو الأعلم بما يصلح لنا.
الزواج رزق ،والرزق لا يُنال بالخوف أو بالضغط الاجتماعي ،فالله وحده يكتب النصيب الذي يستحق كل إنسان.
كثير من الزيجات التي تمت لمجرد الهروب من الوحدة أو لإرضاء الناس كانت سببًا في التعاسة والانهيار ،وهذا ما تعكسه الإحصاءات الحديثة: أكثر من مئتي حالة طلاق يوميًا في السعودية، ونحو 40٪ من الزيجات لا تستمر أكثر من خمس سنوات ،أغلبها نتيجة زواج غير واعٍ قائم على دوافع اجتماعية وشكلية لا على حب أو توافق حقيقي.
ومن هنا تأتي الرسالة لكل أسرة: لا تضغطوا على بناتكم ولا تكسروهن بالكلمات أو النظرات التي توحي بالنقص ،ولا تضعوهن تحت عبء “فاتها القطار”.
الزواج قسمه ونصيب ،وما كُتب للمرأة سيأتيها في وقته المناسب.
لا تجعلوا الزواج معيارًا لقيمتها أو سببًا لسعادتها ،فقيمتها الحقيقية في عقلها وإيمانها وكرامتها ونجاحها في الحياة.
الرسالة لكل امرأة: لا تخافي من التأخر ،ولا تدعي ضغوط المجتمع تجعل حياتك معلقة عند فكرة الزواج.
اختاري الزواج إن أردتي وليس لأنك مضطرة أو خائفة من اللقب أو نظرة الآخرين.
السعادة الحقيقية تبدأ من الداخل، والاكتمال الحقيقي هو أن تكوني كاملة بذاتك، لا بحاجة لأي شخص ليكملك.
فات القطار؟ ربما لم يأتِ بعد، وربما القطار الذي تخافين فواته هو القطار الذي أنقذك الله من ركوبه.
الحياة أكبر وأعمق وأجمل من أن يُقاس كل شيء فيها بزواج أو لقب اجتماعي. السعادة والنجاح والرضا يُصنعون بوعي المرأة لنفسها، لا بتوقيت المجتمع.
أ. سعيد الاحمري
@Historian2080
عضو جمعية إعلاميون