الحياة في جوهرها سلسلة من القرارات، بعضها بسيط، وبعضها يغيّر مصيرنا تمامًا، غير أنّ معظم قراراتنا تُتخذ وسط ضباب من الغموض، حيث لا نملك كلّ المعلومات ولا يمكننا التنبؤ بالنتائج، في مثل هذه اللحظات، لا يكون القرار علمًا فقط، بل فنًّا يتقاطع فيه العقل مع الحدس، والمنطق مع الإحساس.
عدم اليقين جزء طبيعي من الوجود، ولا سبيل إلى تجاوزه إلا بتعلّم التعامل معه، فـ الإنسان الذي ينتظر وضوح الصورة الكاملة سيظل واقفًا مكانه، بينما من يختار بثقة رغم الغموض، هو من يصنع طريقه بيده، القرار الواعي لا يعني غياب الخطأ، بل يعني تحمّل المسؤولية عن الاختيار، والتعلّم من نتائجه أياً كانت.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن الاكتفاء بالحدس وحده، فالعقل التحليلي هو البوصلة التي تمنح القرار توازنه، والجمع بين التفكير المنطقي والحدس الإنساني هو ما يصنع الحكمة
فـ التاريخ مليء بأمثلة لأشخاص صنعوا قرارات عظيمة وسط ضبابية الرؤية، عالم ترك وظيفته المضمونة ليؤسس مشروعًا علميًا غيّر وجه الإنسانية، شابًا غيّر تخصّصه الجامعي رغم معارضة الجميع، فوجد شغفه الحقيقي، وأمّ اختارت أن تبدأ تعليمها في الأربعين من عمرها، فـ أصبحت قدوة لغيرها.. كل هؤلاء لم يكونوا متأكدين من النتيجة، لكنهم امتلكوا شجاعة القرار.
في النهاية، لن نملك أبدًا يقينًا كاملاً، لكننا نستطيع أن نملك سلامًا داخليًا مع قراراتنا، فالحياة لا تُعاش في الانتظار، بل في الإقدام، ومن يتعلّم أن يختار رغم الغموض، هو من يصنع قصته بيديه، لا بيد الظروف؛ فالقرار في جوهره ليس مغامرة في المجهول فحسب، بل هو فنّ الإيمان بالمستقبل، وثقة بأن الخطوة الصحيحة ليست تلك التي تضمن النتيجة، بل التي تنسجم مع من نحن الآن، ومع من نريد أن نكون غدًا.
أ. كوثر عبدالعزيز
@WriterKhawthar
عضو جمعية إعلاميون