27/04/2025
بين ضجيج يُكتَب وصمت يُمحى
قلم رصاص، وممحاة. وهما رمزان بسيطان، لكنهما يُلخّصان علاقة الكلمة بالعالم: تُكتَب لتُمحى، وتُمحى لتُنسى، أو لتُعاد صياغتها بما يناسب سياق الضجيج.
لم نعد نكتب كما كنا، ولا نقرأ كما ينبغي. صار الصدى أهم من المضمون، والتفاعل أهم من الفكرة. الكلمة التي كانت تُوزن بالمعنى، تُسعَّر اليوم بعدد المشاهدات. كل شيء يُكتب، وكل شيء يُمحى، بلا وعي، بلا تأمل، بلا مسؤولية.
لقد تحوّل بعض الإعلام -إن صح تسميته كذلك- إلى مرآة مُكسّرة، تعكس كل شيء بلا ترتيب، بلا تركيز. تُطرح الآراء كأنها مسودات، تُطبع وتنشر دون مراجعة، وتُستبدل الحقيقة بعناوين مُفخخة، لأن “الترند” لا ينتظر.
ورغم هذا الانهيار البطيء، لا يمكن إنكار أن هناك من كتبوا للمستقبل، لا للمشهد العابر. رجال ونساء، كانوا أعمدة للفكرة، لا شهودًا على ضياعها.
أولئك الذين مارسوا الإعلام كأمانة، لا كاستعراض. الذين لم تُغْرِهم الإعجابات، بل كانت أقلامهم تكتب بضميرٍ حيّ.
تركي السديري، داوود الشريان، خالد المالك، وخالد السليمان… وغيرهم من القامات التي لم تكن تكتب لتُصفّق، بل لتُفكّر.
أمام هذا الإرث، نسأل:
هل نكتب الآن لنقول شيئًا؟ أم نكتب فقط لأن الكل يتكلم؟
هل أصبحت الكلمة مشروعًا للانتشار لا للتأثير؟
وهل نحن كصنّاع محتوى، إعلاميين، كتّاب، ما زلنا نملك شجاعة استخدام القلم دون أن نخشى الممحاة؟
الحقيقة أن المنصات الرقمية أتاحت للجميع أن يكتب، لكنها لم تعلّم أحدًا كيف يتحمّل مسؤولية ما يُكتب. الإعلام لم يعد حكرًا، لكنه أيضًا لم يعد منبرًا نقيًّا كما ينبغي.
هنا تأتي الحاجة إلى مراجعة. إلى لحظة صمت نُسائل فيها أنفسنا:
ما الذي نكتبه؟ ولماذا نكتبه؟
وهل نُسهم في بناء وعيٍ جديد؟ أم أننا فقط نُكرّس فوضى الصوت العالي؟
لا نحتاج إلى معجزة. نحتاج إلى فكرة تُكتب بإخلاص، وصوت لا يتنازل عن المعنى.
نحتاج إلى أقلام لا تخشى قول الحقيقة، ومؤسسات ترى في الكلمة مسؤولية لا مجرّد وسيلة ترفيهية.
فهل نملك الشجاعة للعودة إلى الفكرة؟
أم أن القلم سيظل يركض، والممحاة خلفه؟
أ. هويدا المرشود
@hofahsaid111112
عضو جمعية إعلاميون