مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

كرة القدم للجميع

 

بعد أن وضع الدعم الحكومي غير المحدود كرة القدم السعودية على مسرح العالمية، تظل هناك حقيقة مؤلمة تكشف عن قصور إداري وفشل في استثمار أهم مورد “العقل الجمعي للوطن”.

إن الحديث عن تطوير رياضي يوازي رؤية 2030 لن يكتمل ما دامت المؤسسة المسؤولة عن اللعبة، وهي الاتحاد السعودي لكرة القدم، تعمل في عُزلة تامة عن شركائها الحقيقيين “الإعلاميون، والمفكرون الرياضيون، والجماهير”.

في الوقت الذي تنتقل فيه الهيئات الكبرى نحو الشفافية وإشراك المجتمع في صياغة القرارات، يُصر اتحاد القدم على أن يبقى كياناً مغلقاً، يكتفي بإصدار القرارات دون التفكير بآليات حقيقية للتواصل والاستماع. لقد أثبتت التجربة أن قرارات اللجان (كالحكام والمسابقات) لا تنبع من تقييم شامل لأثرها على المشهد، بل من رؤى ضيقة سرعان ما تصطدم بواقع الشارع الرياضي.

من المفارقات العجيبة، أن الاتحاد ينفق ملايين الريالات على استقطاب خبراء أجانب لتقديم حلول قديمة، بينما يتجاهل عمداً كنزاً وطنياً من الأفكار والمقترحات التطويرية التي يمكن الحصول عليها مجاناً من الإعلاميين المخضرمين والمحللين الفنيين والمفكرين القانونيين والجماهير الشغوفة. إن هذا التجاهل ليس مجرد إهمال، بل هو قرار استراتيجي خاطئ.

فالإعلامي هو الأقرب لغرفة العمليات التحليلية، والمشجع هو الضحية الأولى لقرارات اللجان الفاشلة، والمحلل هو القادر على تشخيص العلل العميقة.

هؤلاء هم “المستشارون” الحقيقيون الذين يملكون نبض الميدان؛ وغيابهم عن طاولة الاتحاد يعني أن الاتحاد يعمل بعين واحدة وفي نطاق محدود من الرؤية.

إننا اليوم لا نطالب الاتحاد بالاعتذار عن أخطائه السابقة، بل نطالبه بـ تغيير ثقافته الإدارية بالكامل. ويجب أن يتحول الاتحاد من مصدر للقرارات الصادرة من الأعلى، إلى منصة للحوار والمشاركة الفاعلة.

يجب تأسيس مجلس استشاري يضم نخبة من الإعلاميين والمفكرين الرياضيين الوطنيين، يُعقد بشكل دوري لمناقشة أداء اللجان وتقديم مقترحات تطويرية قبل وأثناء الموسم. هذا المجلس سيكون بمثابة “صمام أمان” للقرارات.

يجب إنشاء بوابة إلكترونية رسمية وفعالة لتلقي المقترحات التطويرية والشكاوى البناءة من الجماهير والأندية، على أن تكون هناك لجنة مسؤولة عن فرز هذه المقترحات وعرض الجدير منها على مجلس الإدارة للمناقشة.

يجب أن يعقد رئيس الاتحاد ورؤساء اللجان الرئيسية (كالحكام والاحتراف) لقاءات دورية مفتوحة وشفافة مع وسائل الإعلام والجمهور لمناقشة هموم الجماهير وقضايا الساعة بأسلوب مباشر وصريح. هذا الانفتاح كفيل بامتصاص جزء كبير من الغضب الشعبي.

إن استمرار الاتحاد في سياسة “الأبواب الموصدة” لا يساهم فقط في استمرار الفشل الإداري والتحكيمي (كما أوضحنا في مقالنا السابق)، بل يؤدي بشكل مباشر إلى تآكل الثقة بين المؤسسة الرياضية وجمهورها العريض.

الجماهير، التي تدعم وتضحي، تشعر اليوم بأنها مغيبة ومُهملة، وأن صوتها لا يُسمع ولا يؤخذ بجدية.

هذا الشعور بالإقصاء هو الذي يُغذي المطالبات برحيل الاتحاد، فالمسألة لم تعد مسألة خطأ في قرار تحكيمي، بل هي مسألة احترام لوعي ورأي الشارع الرياضي.

إن الرؤية الوطنية الطموحة لا تقتصر على ضخ الأموال واستقطاب النجوم؛ بل هي بناء لمنظومة متكاملة تقوم على الشفافية والشراكة المجتمعية.

كرة القدم هي ملك للجميع، ومصيرها يجب ألا يكون حبيس قرارات نخبة ضيقة. وعلى الاتحاد السعودي لكرة القدم أن يدرك أن النجاح المشترك يتطلب استماعاً مشتركاً.

والخطوة الأولى نحو الإصلاح الحقيقي هي أن يفتح الاتحاد أبوابه وأذنيه للإعلاميين والمفكرين والجماهير. حينها فقط، يمكننا أن نثق بأن القرارات القادمة ستكون نابعة من مصلحة الوطن، وموافقة لطموح رؤية 2030 التي لا مكان فيها لثقافة الإقصاء والعزلة.

 

أ. محمد الخيبري
@alkhayberi_2222
عضو جمعية اعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop