نسبة كبيرة من الناس، وعلى الرغم من زحام الحياة وتراكم تحدياتها، يطمحون دائمًا إلى إصلاح العالم من حولهم؛ مثلاً: “أن يحارب الفساد، أن ينشر العدل، أن يجعل الأرض أكثر إنسانية ورحمة.
غير أن المفارقة العجيبة تكمن في أن كثيرًا من الناس يرفعون شعارات الإصلاح، بينما يغفلون عن لبّ الإصلاح الحقيقي وهو: “إصلاح النفس أولًا”.
قال الفيلسوف تولستوي عبارته الشهيرة: “الجميع يفكر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه.” وفي هذه الكلمات القليلة تختصر الحكمة العميقة لمسار التغيير. فالعالم، في جوهره، ليس كيانًا منفصلًا عنا؛ بل هو انعكاس لمجموع الأفراد الذين يسكنونه. حين يتهذّب الفرد، ويزكو قلبه، وتسمو أخلاقه، فإنه يضيف إلى العالم شعاعًا جديدًا من النور، ومع كل شعاع، يتغير العالم قليلًا.
إن محاولة تغيير العالم دون أن نغيّر أنفسنا، كمن يريد تنظيف مرآة مكسوّة بالغبار بينما يديه متسختان. الإصلاح يبدأ من الداخل: من ضبط الغضب، من الصدق في القول، من الوفاء بالعهود، من احترام الآخر، ومن مواجهة ضعفنا بجرأة. فإذا صلح الداخل، أزهرت الآثار في الخارج.
ولهذا، فإن أعظم ثورة يمكن أن يقودها الإنسان ثورته على نفسه: على عاداته السلبية، على أفكاره المظلمة، وعلى استسلامه للكسل واليأس. حينها فقط يصبح صادقًا في دعوته لتغيير العالم، لأنه يبدأ من حيث يجب أن يبدأ.
وفي النهاية، لعلنا ندرك أن العالم ليس سوى مرآة كبرى، تعكس صور قلوبنا وأفعالنا. فإذا أردنا أن نرى عالمًا أفضل، فلنضع أيدينا أولًا على قلوبنا، ولنغيّر ما بأنفسنا، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.
أ. حياة القصيري
@hayatMEA2030
عضو جمعية إعلاميون