استوقفتني عبارة بالغة الحكمة تقول:
( لا تزالُ تَنظرُ في الفِكْرِ الدَّقيق حتى تكون مِن صُنَّاع الفِكْرِ الدَّقيق، ولا تزالُ تَنظرُ في عملِ الكِبار حتى تكون مِن الكبار)*
وكأنها خارطة طريق لكل من أراد أن يُغادر هامش الوجود إلى متن التأثير، ولكل من يطمح إلى أن لا يكون صدى، بل صوتًا.
ليس الفكر ترفًا ولا ملكة يولد بها الإنسان مكتملة بل هو صناعة تبدأ بالتأمل، وتتكرس بالمثابرة. أن تنظر في الفكر الدقيق معناه أن تعرض نفسك على مرآة المعرفة باستمرار، أن تُفتّش في الأسباب وتُفكّك المعاني، وتُمارس الشك النبيل الذي لا يُنكر، بل يُفتّش عن يقينٍ أقرب.
إن مطالعة الفكر العميق تُعلّمك أن وراء كل عبارة اختُزلت في سطر، عالَمًا من المعاناة الذهنية والتجارب المتراكمة. وكلما درّبتَ ذهنك على هذا المستوى من الانتباه، أصبح بإمكانك إنتاج فكرٍ لا يُستهلك سريعًا بل يُقيمُ في العقول ويصنع الأثر.
أما النظر في أعمال الكبار، فليس فعلاً من أفعال الترف العقلي، بل تدريبًا عمليًا على رؤية ما وراء الإنجاز. أن تُمعن النظر في أعمال الكبار هو أن تفتح عقلك لتجربة سبقتك، وتمنح نفسك فرصة لتبدأ من حيث انتهوا.
أعمال الكبار ليست كتبًا أو مشاريع أو إنجازات فقط، بل هي طرائق في التفكير، وأنماط في التعامل مع التحديات، و سلوكيات في تطويع الصعوبات إلى سلّم مجد.
النظر العميق في الفكر والعمل معًا، هو تحوّل جوهري في مسار الإنسان .. من كائن يتلقى، إلى كائن يُنتج. من شخص يُدير رأسه إعجابًا، إلى من يُدير عقله إبداعًا. وهذا التحول لا يأتي دفعة واحدة، بل بتكرار النظر، والصبر على التفاصيل، والصدق في الطلب
ليس المطلوب أن تكون عبقريًا منذ اللحظة الأولى، ولا أن تملك أدواتك كاملة وأنت في بداية الطريق. يكفيك أن تمتلك الوعي بأنك حين تُمعن النظر في الفكر العميق، وتصغي بصدقٍ لروائع الكبار، فإنك تضع قدمك على الدرب الذي سار عليه كل من أصبح يومًا “كبيرًا” يُقتدى به.
فلا تتعجل الثمار، وازرع أولًا عادة النظر.
أ. مها الثبيتي
@maha_thobaiti
عضو جمعية إعلاميون