مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

كُن رحمة..

ثمة لحظات في الحياة تُشبه يقظةً داخلية؛ لحظة نتوقف فيها عن الركض خلف العالم ونضع أيدينا على صدورنا لنستمع لصوتٍ خافت يقول: “كُن رحمة”. وفي كل مرة نتأمل وجوه الأطفال بضحكاتهم بخوفهم بارتجاف أيديهم الصغيرة وبأسئلتهم التي تشبه الضوء نشعر بأن الله يذكّرنا بأننا هنا لنكون سنداً لا عبئاً حضناً لا حكماً وأن الطفولة ليست مرحلة بل رسالة
نعيد اكتشاف معنى الوجود حين يمرّ أمامنا طفل مختلف طفل مريض طفل يحمل في جسده صراعاً لم يختره أو في روحه سؤالاً لم يجد له إجابة
ننظر إليهم… فنفهم أن الله لا يضع في حياتنا شيئاً عبثاً وأن كل طفل هو آيةٌ لا تُفسَّر بالعقل فقط بل بالقلب أيضاً.

نتذكّر حقيقة كثيراً ما نغفل عنها في زحمة الحياة أن الأطفال ليسوا أدواراً نعيد تشكيلها كما نشاء ولا صوراً يجب أن تطابق توقعاتنا الأطفال هدايا سماوية أنفاس نورانية نُؤتمن عليها وقلوب يضع الله فيها ما يشاء من اختلافات حالات أمراض قدرات وطبائع، وكلها في النهاية نعمة وزينة الحياة الدنيا.

إن الأطفال على اختلاف عقولهم وقدراتهم وطباعهم وأمراضهم ليسوا اختباراً لنا بل هدية هم نعمةٌ تُسلّم إلى قلوبنا بعنايةٍ إلهية نعمةٌ لا يُشترط فيها الكمال لأن النقصان جزء من جمال الخلق ولأن الله لم يطلب منّا سوى الاحتواء والمحبة.

لا ذنب لطفل جاء إلى الحياة بمرضٍ وراثي أو حالةٍ نادرة أو اختلافٍ يُربك من لا يرى إلا بعينيه؛ وليس من حقّنا أن نحاسبه أو نحكم عليه أو نتجاهله كأن وجوده قرارٌ شخصي اتّخذه قبل أن يولد؛ فكل اختلاف فيهم هو بابٌ لرحمة أكبر وكل ضعفٍ فيهم هو مساحةٌ لحنانٍ أوسع.
نحن أوعيةٌ اختارها الله لتكون حاضنةً لهذه الأرواح الصغيرة، فمن نحن لنضيّق ما وسّعه؟ ومن نحن لنقسو على من لم يختر شيئاً؟
الحب غير المشروط ليس رفاهيةً نقدمها لهم، بل هوالطريق الذي تعبده الرحمة للوصول إلى قلوبنا نحن، هو تاج الأبوة والأمومة وميزان الإنسانية ومفتاح من مفاتيح الجنة التي يفتحها طفل بيده الصغيرة من دون أن يدري كم يغيّر فينا حين نحتضنه كما هو.

أن نحتوي أطفالنا ليس جميلاً نمنّ به عليهم بل واجب فطري ورسالةٌ أخلاقية وأمرٌ إلهي وضعه الله في قلوبنا حين جعلهم ضعافاً بين أيدينا نحن أوعية تختارها الرحمة الإلهية لحمل هؤلاء الصغار فلا يليق بنا أن نحاسبهم على ما لم يختاروه ولا أن نتجاهلهم ولا أن نعاملهم وكأن وجودهم كان قراراً منهم.

فالطفل المريض المختلف المصاب أو الذي يحتاج عناية خاصة، هو أكثر مَن يحتاج إلى حب غير مشروط حب لا يسأل لماذا هكذا؟ بل يقول أنا معك كما أنت وإن كنا مستخلفين على الأرض فإن أول ما نُسأل عنه هو هذه الأمانة؛ كيف حملنا أطفالنا؟ كيف قبلنا اختلافهم؟ كيف كنا لهم وجه الله اللطيف على الأرض؟

وأمام كل طفل يعبر حياتك سواء كان صحيحاً أو مريضاً هادئاً أو مشاغباً متحفظاً أو مختلفاً تذكّر أن الله لم يأتِ به لتختبره بل لتُختَبَر به. وأن الرحمة لا تُعلَّم بالكلمات… بل باليد التي تُمسك وبالصدر الذي يضم وبالعين التي ترى نعمة الله حتى حين تكون مختبئة خلف التحديات.

فلنكن أوفى للأمانة أرحم بالنعم وأقرب إلى معنى الآنسانية وترجمان للرحمة. ولنحبّهم كما أراد الله حبّاً لا يُشترط ولا يُقاس ولا يُنقَص.

نحن جميعاً على هذه الأرض أمانة مستخلفون فيها ومسؤولون عن أداء هذه الأمانة، كما يليق برب رحيم، وبإنسانية لا تتجزأ. والطفل الذي نضمّه اليوم هو إنسانٌ سيكبر غداً يحمل آثار احتضاننا أو آثار إهمالنا، فلنمدّ أذرعنا قبل كلماتنا وقلوبنا قبل عقولنا، ولنجعل من حبّنا لهم رسالة تُكتب في السماء قبل أن تُقرأ على الأرض.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop