في زمننا الحاضر، أصبح الكثير من الشباب والفتيات يُؤجِّلون خطوة الزواج؛ بحجَّة «بناء المستقبل»، وكأنَّ المستقبل محطَّة بعيدة لا يصلون إليها إلَّا بعد الوظيفة، أو الادِّخار، أو الاستقرار الكامل. والحقيقة أنَّ المستقبل ليس وعدًا مؤجَّلًا، هو حياتك اليوم، جزء من خطواتك، ومسؤوليَّة تبدأ منذ اللحظة التي تختار أنْ تبني فيها بيتك وأسرتك.
أجدادنا لم ينتظروا الوظائف المرموقة، ولا الشهادات العالية، ليبدأوا حياتهم الأسريَّة. كانوا يعملون في أيِّ حرفة، أو تجارة، أو زراعة، ومع ذلك أسَّسوا بيوتًا عامرةً، وربُّوا أبناءً صالحِينَ، وكتبُواا لنا تاريخًا نُفاخر به. الرزقُ لم يكن مرتبطًا بالوظيفة، بل بالإرادة والسَّعي والاعتماد على الله. وكل بيت كان مدرسة للتعاون والصبر والجد، لا مجرَّد مأوى للسكن.
في عمر الخمسين، كيف ستكون مسؤولًا عن تربية طفل يحتاج إلى جهدٍ وصبرٍ؛ وأنت تبحث عن الرَّاحة والهدوء؟ الزَّواج في سنٍّ مُبكِّرة يمنحك فرصة أنْ تكبر مع أبنائك، وتشاركهم تفاصيل الحياة؛ بدل أنْ تعيش فجوة عمريَّة معهم. ولنا في قصص الواقع أمثلة صريحة؛ فإحدى المؤثِّرات التي أمضت سنواتها تُردِّد: «لن أتزوَّج، لا أرغبُ، لا أحتاجُ»، وصلت إلى سن الثالثة والأربعين وهي ترفع شعارات الاستغناء. لكنَّ المفارقة أنَّ أوَّل ساعة بعد زواجها كتبت بجانب اسم زوجها: «أنت حب العمر!»، هؤلاء يعبثُون بالفطرة البشريَّة إلى أنْ تأتيهم فرصة؛ ليعودوا إلى طبيعتهم، لذلك لا تُصغِ إلى أصواتهم، ولا تجعلها تتحكَّم في قراراتك.
الفكرة التي تسيطر على عقول البعض: «ابنِ مستقبلَك أولًا»، قد تكون مخادعةً؛ لأنَّ أعظم استثمار في مستقبلك هو أنْ تبدأ حياتك الأسريَّة في وقتٍ مُبكِّر، وأنْ تجعل الزواج خطوةً داعمةً لك، لا عائقًا أمامك. بيت صغير، وظيفة متواضعة، ورغيف خبز يُقسم بين اثنين، قد يكون أكثر بركةً من انتظار سنوات طويلة يذوب فيها العمر.
تزوَّجوا مُبكِّرًا، وابنوا حياتكم بأيديكم، فالرزق يأتي مع السَّعي والتوكُّل، والبركة تنزلُ حين تتشارك الطريق مع مَن يُساندك. المستقبل ليس بعيدًا، هو يبدأ حين تختار أنْ تخطو أوَّل خطوة.
أ. أحمد الظفيري
@aahdq
عضو مجلس إدارة جمعية إعلاميون