منذ أن خطّ المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – طيب الله ثراه – بيمينه تاريخ الدولة السعودية الحديثة، جعل في مقدمة همومه خدمة الحرمين الشريفين، فكانت مكة والمدينة في قلب الدولة النابض، وكان الحاج والمعتمر ضيفًا قبل أن يكون زائرًا، تُفرش له الطرقات بالطمأنينة، وتُضاء له المشاعر بالأمان، وتُفتح له الأبواب بقلوب لا تعرف إلا الكرم والتيسير.
ومع السنوات، ومع اتساع الآفاق وتزايد أعداد الوافدين من كل فجٍّ عميق، أدركت المملكة أن التنظيم ليس رفاهية، بل ضرورة، وأن حفظ النفس لا يقل شأنًا عن أداء الركن. فابتكرت أنظمة دقيقة، وسنّت قوانين واضحة، وجعلت التصريح جواز عبور شرعي للحج، يُمنَح لمن استوفى شروطه، حتى لا تتحول السكينة إلى فوضى، ولا العبادة إلى مشقة لا تحتمل.
ليس التصريح قيدًا، بل حماية، ليس مانعًا، بل ميدان عدالة. فلا يُقبل أن يزاحم من لا يملك تصريحًا من يملك، ولا أن يُخدع البسيط بتأشيرة زيارة يظنها تأشيرة حج. لذا كانت المملكة واضحة حاسمة؛ لا حج بلا تصريح، ولا تهاون مع متجاوز أو متساهل. وهنا تجلّت الحكمة، وظهر معدن الدولة التي تُجيد إدارة الملايين بدقة الساعات وبحكمة السنين.
هيئة كبار العلماء بيّنتها جليةً: من خالف النظام فقد خالف الشرع، ومن تعدّى على النظام فقد ظلم غيره. ومن لم يستطع هذا العام، فليتذكر أن الله اشترط الاستطاعة، وأن مكان الحاج لا يُؤخذ بالعجلة ولا بالحيلة، بل يُنتظر بالرضا والدعاء.
والمواطن الصادق، والمقيم النبيل، لا يعين على مخالفة، بل يقف مع النظام، مع الصواب، مع الوطن الذي فتح قلبه قبل حدوده، ومدّ كفّه لخدمة الحجيج في كل حين. هذه البلاد لا تعبث، ولا ترتجل، بل تُخطط، وتخدم، وتوفّر، وتكرّم.
وفي الختام، نسأل الله العظيم أن يحفظ حجاج بيته الحرام، وأن يعيدهم إلى أوطانهم سالمين مأجورين. نسأله أن يحمي هذا البلد الأمين من كل سوء، وأن يبارك في قيادته الرشيدة، وأن يديم عزّ دولتنا المباركة، وأن يجعل كيد من أراد بها شرًّا في نحره، ويصرف عنا وعن ديارنا كل حاقد وحاسد، إنّه القوي المتين، نعم المولى ونعم النصير.
أ. محمد العتيق
@aloteeq
عضو جمعية إعلاميون