في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه الأولويات لم يعد الإعلام كما عرفناه من قبل لقد انتقلنا من عصر الرسالة إلى عصر التأثير ومن منابر الفكر إلى منصات التفاعل ومن السرد العميق إلى الومضة السريعة. وبين هذا وذاك تجري تحوّلات صامتة
لا يراها كثيرون لكنها تعيد تشكيل الوعي الجمعي وتؤثر في نظرتنا للواقع والحقيقة.
ما يُقال في الإعلام لم يعد هو القصة الكاملة فثمة ما لا يُقال ومساحات لا يُسمح لها أن تُروى، إما لأنها لا تواكب متطلبات “الترند”أو لأنها تفتقد الجاذبية البصرية والاختصار الصارخ نحن نعيش عصر القصص المقتطعة والصور المنتقاة والتفاعل المعلّب عصرٌ تقود فيه الخوارزميات ما يُعرض ويُقصى من لا يتماهى مع المعايير الجديدة.
ولعل الخطر الأعمق لا يكمن في سرعة التناول أو سطحية الطرح بل في تغييب المعاني في أن يصبح الإعلامي رهينةً لأرقام المشاهدات بدلاً من أن يكون حاملًا لرسالة تنوير ووعي في أن تتحول المؤسسات الإعلامية إلى متاجر محتوى تقيس النجاح بعدد المشاركات لا بعمق الأثر.
إن المسؤولية الأخلاقية للإعلامي اليوم أكبر من أي وقت مضى فهو ليس مجرد ناقل بل مُشكّل للذوق وللرأي وللذاكرة الجمعية والإعلام الحقيقي لا يخشى الغياب عن الترند بقدر ما يخشى الغياب عن الحقيقة.
إن التحولات الصامتة التي نشهدها تتطلب صحوة مهنية وفكرية. أن نُعيد النظر في أدواتنا ونراجع معاييرنا، ونتساءل: من الذي يقرر ما يُقال؟ ومن المستفيد مما لا يُقال؟ والأهم: كيف يمكن للإعلام أن يصمد في وجه الابتذال دون أن يفقد جمهوره أو قيمته؟
في النهاية، لن يُخلّد الإعلام من قال أكثر بل من قال ما يستحق أن يُقال.
أ . خيرية حتاته
albarka0@
عضو جمعية إعلاميون