مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

مقيدون بالواجب لا بالحب

 

في عمق الحياة اليومية تنبع جملة بسيطة من حيث اللفظ لكنها غنية بالتساؤل والتأمل. نحن مقيدون بالواجب لا الحب.
جملة تفتح بابًا على تساؤل وجودي قديم وجديد هل نعيش ونتصرّف لأننا يجب أن نفعل أم لأننا نحب أن نفعل؟

هذا السؤال لا يمرّ مرور الكرام بل يغوص في جوهر الأخلاق والحرية والنية وحتى في معنى أن نكون بشرًا إنه سؤال عن الأصل لا الفعل فقط عن الدافع الذي يحرك أيدينا وقلوبنا وأصواتنا حين نمنح شيئًا للآخر أو نقوم بدورٍ ما في هذا العالم.

في الفلسفة الأخلاقية خصوصًا في فكر إيمانويل كانط يُنظر إلى الواجب بوصفه القيمة العليا يجب أن نفعل الخير لا لأننا نحب بل لأن هكذا ينبغي أن نكون هذا يُنتج ما يمكن تسميته بـ”الصرامة الأخلاقية” حيث يكون الفعل خيّرًا لأنه نابع من الإلزام العقلي لا من شعور أو رغبة. لكن هذا المنظور رغم ما فيه من قوة قد يجرّد الفعل من إنسانيته. فالواجب وحده لا يخلق دفئًا ولا يهمس ولا يحتضن.
أما الحب فهو فعل حر دافع داخلي لا يعرف القسر ولا يحتاج إلى إذن فيه رغبة في الإعطاء ومشاركة شعورية تتجاوز حدود القانون والمنطق.

وحين نحب ما نفعل أو من نفعل لأجله يصبح الواجب طواعيةً لا تضحية ويتحوّل من فرض إلى فنّ ومن تكليف إلى تجربة إنسانية. فالماذا يكتفي البعض بأداء الواجب دون الحب؟
ربما الخوف من الانكشاف العاطفي فالحب يتطلب شجاعة وانفتاحًا على الآخر أما الواجب فهو درع واقٍ لا يطلب منك أن تظهر قلبك. وربما البرمجة الاجتماعية كثيرون نشأوا على أن الواجب هو كل ما يُطلب فتأدية المهام تكفي، دون حاجة للانخراط الوجداني، وربما الإرهاق أو الجفاف الداخلي ففي عالمٍ سريع الإيقاع قد نُجهد حتى نفقد القدرة على الإحساس فنؤدي واجباتنا كأننا آلات. ولربما ثقافة التضحية الجافة التي تُرفع قيمة العطاء في بعض المجتمعات لدرجة تُنسى معها مشاعر الفرد وكأن العطاء دون حبٍ فضيلة بحد ذاته.

فاحين يلتقي الحب بالواجب وعندما يجتمع الحب مع الواجب يولد السلوك الإنساني في أجمل صوره ليس لأن الأداء يصبح أفضل بل لأنه يصبح أصدق أعمق وأكثر تأثيرًا
والواجب يصبح فنًا لا فرضًا فاالمعلم يعلّم بشغف لا بمنهج فقط والطبيب يداوي بروحٍ قبل دواء، فيزدهر الإبداع لأن الحب يمنح المرونة والتجدد فتتجاوز الأفعال حدود الروتين إلى فضاء من الحيوية وتتحول العلاقات من وظيفية إلى إنسانية فتصبح الأبوة والصداقة والمسؤوليات ممتلئة بالدفء لا مجرد أدوار نمارسها. ينتعش المجتمع حين يحب الناس ما يفعلون ومن يفعلون لأجله ينعكس ذلك على نوعية الحياة وجودة العمل ونبض العلاقات.

فاأثره على المجتمع والبيئة الإنسانية تقل اللامبالاة وتزدهر الرحمة وتُبنى بيئة من الاحترام والتقدير المتبادل ويتراجع الجمود الوظيفي وتُشفى العلاقات من برودهاويُصبح الإحسان هو القاعدة لا الاستثناء، أن تفعل ما عليك لأنك تحب لا فقط لأنك ملزم هو ما يحوّل الحياة من عبء إلى رسالة، ومن أداءٍ إلى مشاركة ومن صمتٍ وظيفي إلى موسيقى تلامس القلوب.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop