ما نشهده اليوم، من إطلاق المنصَّات الرقميَّة الوطنيَّة، يعكس تحوُّلًا حقيقيًّا في طريقة بناء بيئات العمل داخل المملكة، ويؤكِّد أنَّ مرحلة جديدة من النُّضج التقنيِّ بدأت تتشكَّل، مرحلة تقوم على الابتكار المحليِّ والاعتماد على الكفاءات الوطنيَّة، في تطوير حلول تتكامل مع أهداف التحوُّل الرقميِّ، وتعبِّر عن خصوصيَّة التجربة السعوديَّة.
ومن بين هذه المبادرات، يأتي تطبيق «بيم للأعمال»، الذي أطلقه الاتحادُ السعوديُّ للأمن السيبرانيِّ والبرمجة والدرونز، بالشراكة مع هيئة الحكومة الرقميَّة، ليقدِّم نموذجًا عمليًّا لتوجُّهٍ وطنيٍّ يستهدف بناء منظومةٍ رقميَّةٍ متكاملةٍ، تدعم الاتصال والعمل المشترك في بيئة آمنة ومحليَّة.
يوفِّر التطبيقُ أدواتِ التراسل الفوريِّ، والاجتماعات المرئيَّة، وإدارة المهام والملفَّات، والتقويم المشترك، ويتيح تجربة عمل موحَّدة، تُسهم في رفع الكفاءة داخل الجهات الحكوميَّة والشركات الكُبْرى. أهم ما يميِّزه أنَّه تم تطويره واستضافته بالكامل داخل المملكة، ما يعزِّز الثقة في الحلول الوطنيَّة، ويضع الأساس لبنية تقنيَّة مستقلَّة تُدار بمعايير عالميَّة، من خلال كوادر سعوديَّة شابَّة.
الأثر الحقيقي لمثل هذه الخطوات، لا يقتصر على الجوانب التقنيَّة، إذ يمتدُّ إلى ثقافة العمل ذاتها. فحين تصبح أدوات التواصل والإدارة والتخزين متاحةً من خلال بنية وطنيَّة آمنة، يتغيَّر مفهوم العمل المشترك، وتزداد الثقة في المنظومة الرقميَّة المحليَّة، وينتقل الاعتماد من الخارج إلى الداخل بطريقة هادئة وواعية.
كما أنَّ هذه المبادرات تُبرز حجم التطوُّر في مهارات الشباب السعوديِّ. فجيل المهندسِينَ والمبرمجِينَ والمصمِّمِينَ الذين يقفُونَ خلف هذه المشروعات، أصبح اليوم قادرًا على تقديم منتجات بمعايير عالميَّة، تُسهم في تعزيز كفاءة الإنفاق، وتطوير بيئات العمل في الجهات الحكوميَّة والقطاع الخاصِّ، وتوفير بدائل رقميَّة متقدِّمة تُدار داخل المملكة، وتستجيب لاحتياجات المستخدم المحليِّ.
هذا التحوُّل يحمل دلالات أعمق من تحسين الأداء، أو تطوير التطبيقات؛ فهو يعكس ثقة وطنٍ بكفاءاته، ورغبة حقيقيَّة في بناء منظومة رقميَّة ذات هويَّة سعوديَّة، تجمع بين الأمان والفاعليَّة، وتفتح المجال أمام المبدعِينَ لإيجاد حلول جديدة، تدعم مسيرة التحوُّل الوطنيِّ. ومع استمرار مثل هذه المبادرات، يتعزَّز مفهوم السيادة الرقميَّة، ويتَّسع نطاق الابتكار المحليِّ، ليصبح جزءًا من يوميَّات العمل الحكوميِّ والخاص. فالتقنية لم تعد وسيلةً مساندةً فحسب، وإنما هو عنصرٌ إستراتيجيٌّ في بناء المستقبل، تقوده عقول سعوديَّة تؤمن أنَّ التفوُّق الرقميَّ أحد وجوه التمكين الوطنيِّ.
أ. أحمد الظفيري
@aahdq
عضو مجلس إدارة جمعية إعلاميون