قبل أن أكون إعلامية، كنتُ قارئة لم يكن الميكروفون أول حبّ في حياتي بل كانت الكتب ، أذكر جيداً تلك الأيام التي كنت أهرب فيها من صخب العالم إلى صمت المكتبة ، أتنقّل بين الرفوف وكأنني أسافر بلا تذكرة ، كنت أبحث عن جملة تُشبهني أو حكاية تجعلني أرى نفسي في عيون شخصياتها.
ومع دخولي عالم الإعلام وجدت أن تلك الحروف التي كنت أقرأها بصمت يمكن أن تكتسب حياة جديدة حين تخرج من بين صفحات الكتب إلى الميكروفون. الإعلام بالنسبة لي لم يكن مجرد منصة لنقل الأخبار أو الحوارات بل كان مسرحاً آخر للأدب ، هناك تتحول الكلمة من نص جامد إلى تجربة حية تُسمع وتُشعر وتصل في لحظتها إلى قلوب الناس.
العلاقة بين الأدب والإعلام ليست وليدة اليوم لكنها أصبحت في زمننا أكثر حضوراً وضرورة ، في الماضي، كان النص يعيش فقط على الورق ينتظر قارئاً متفرغاً ليكتشفه، اليوم أصبح بإمكاننا أن نروي النصوص في برامج إذاعية ونُعيد الحياة للمقالات في بودكاست ونجعل الاقتباسات تنبض عبر منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد الأدب حكراً على الصفحات صار ضيفاً دائماً في مساحات البث يدخل البيوت بلا استئذان ويُرافق الناس في سياراتهم ومشاويرهم وحتى أثناء إعداد قهوتهم الصباحية.
أتذكر مرة أنني استمعت لنص شعري بصوت صاحبه كان الإحساس الذي شعرت به أعمق من أي قراءة سابقة ، نبرة صوته، وقفات أنفاسه، وحتى لحظة تردده بين كلمة وأخرى، منحت النص روحاً جديدة. هذه التفاصيل لا يمنحها الورق لكنها تتجلى حين يلتقي الأدب بالإعلام وهنا تكمن قوة الميكروفون: أنه لا ينقل الكلمة فقط بل ينقل الإحساس الذي كُتبت به.
من وجهة نظري نحن بحاجة إلى أن نكسر الحواجز بين الكتّاب والإعلاميين ، أن يحمل الإعلاميون كتباً في حقائبهم وأن يفتح الأدباء نوافذهم نحو الميكروفونات والكاميرات فحين يلتقي العمق الأدبي مع سرعة وانتشار الإعلام يولد محتوى أصيل يتجاوز حدود المكان والزمان.
الأجيال الجديدة تحتاج أن ترى الأدب بصورته الحية، أن تسمعه كما كُتب وأن تراه يتحرك خارج حدود الورق وفي المقابل يحتاج الإعلام إلى أن يتغذى من الأدب ليبقى محتواه عميقاً ومؤثراً بعيداً عن السطحية التي قد تفرضها سرعة العصر.
فلنمنح الكلمة فرصتها الكاملة للحياة لنقرأها، ولنسمعها، ولنتركها تسافر من الورق إلى الأثير، ومن القلب إلى القلب فربما كانت جملة واحدة كفيلة بتغيير يوم إنسان أو فتح نافذة أمل في روحه والأدب حين يجد صوته يصبح أكثر قدرة على أن يبقى وأكثر جمالًا في أن يُشارك.
أ . خيرية حتاته
albarka0@
عضو جمعية إعلاميون