مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

“نتنياهو”… رسّام الخرائط في مقهى الأوهام

تخيّلوا المشهد: بنيامين نتنياهو يجلس في زاوية مقهى صغير، أمامه فنجان قهوة باردة وأقلام تلوين متناثرة على الطاولة. ينحني فوق ورقة بيضاء، يرسم خطوطًا وحدودًا كما لو كان طفلًا في الصف الابتدائي يحلم بامتلاك القارات. يمد الخط من غزة إلى النيل، ثم يرسم قوسًا يصل إلى الفرات ويضيف لمسة خيالية نحو الأردن والسعودية والعراق، ويبتسم لنفسه كأنه انتهى للتو من رسم تحفة جغرافية ستغير وجه التاريخ.
هذا هو نتنياهو في نسخته الأخيرة، زعيم يعيش في فقاعة خرائط ملونة، يظن أن الجغرافيا يمكن أن تُعاد صياغتها كما يعاد ترتيب أثاث غرفة جلوس. في مقابلة متلفزة حمل تميمة عليها ما أسماه “حدود إسرائيل الكبرى” وأطلق وعودًا كبرى أكبر بكثير من قدراته على الأرض. بدا وكأنه يقدم عرضًا مسرحيًا للجمهور الإسرائيلي اليميني أكثر من كونه خطابًا سياسيًا واقعيًا.
المفارقة أن هذا “المخرج” الذي يتحدث عن ابتلاع مساحات شاسعة من الأراضي ما زال منذ عامين عاجزًا عن حسم معركته في شريط ضيق اسمه غزة، وكأن لاعب الشطرنج الذي لم يربح أي مباراة محلية قرر فجأة أن ينافس على بطولة العالم.
السعودية تعاملت مع المشهد دون انفعال زائد، لكنها قالت كلمتها بوضوح: لا شرعية لاحتلال ولا مكان لمشاريع توسعية في هذه المنطقة. بيان وزارة الخارجية السعودية جاء صريحًا وحاسمًا، محذرًا من خطورة هذه التصريحات على الأمن الإقليمي ومؤكدًا أن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ليست محل مساومة. دعم مجلس التعاون الخليجي للموقف السعودي جعل الرسالة أوضح، فهذه الأرض تعرف حدودها جيدًا ولا تنتظر من أحد أن يرسمها لها على الورق.
الطريف أن نتنياهو يصف نفسه بأنه في “مهمة تاريخية وروحية”، لكن الحقيقة أن هذه المهمة لا تختلف كثيرًا عن محاولة إحياء فيلم قديم بالأبيض والأسود في زمن الشاشات الذكية. يبحث عن إرث سياسي في أرشيف من الخيال ويظن أن خرائطه ستتحول إلى واقع، متجاهلًا أن التاريخ والجغرافيا لا يعترفان إلا بمن يثبت أقدامه على الأرض لا بمن يرسمها من وراء الميكروفونات.
“إسرائيل الكبرى” التي يروّج لها نتنياهو ستبقى مجرد صورة على حائط أو شعار يلمع للحظة ثم يخفت. أما السعودية فهي ثابتة كجبالها، تتحرك بثقة بين ثوابت السياسة ومبادئ العدل ولا تنجر وراء عروض مسرحية كتلك التي يقدمها نتنياهو لجمهور بدأ ينسحب من القاعة قبل أن يسدل الستار.
وفي النهاية، يبقى السؤال: هل يدرك نتنياهو أن الخرائط التي يرسمها في مقهى الأوهام لا تصمد أمام أول عاصفة من الواقع؟ ربما لا، فالساحر الذي يصدق خدعته هو أول من يقع ضحية لها. أما من يضع الحق والعدالة نصب عينيه،فيرسم على الأرض تاريخًا لا يمحوه الزمن.

 

أ. سعيد الاحمري
‏@Historian2080
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop