مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الإنسان.. ظل قطرة في وعاء الوجود

في أعماق الإنسان، شيء لا يُرى…
بعض الأشياء في دواخلنا تُوهمنا بالسكون، كأنها استقرت وهدأت، لكنها في الحقيقة تخبئ صخبًا صامتًا.
ما يبدو ساكنًا قد يطفو فجأة إلى السطح، حين تلامسه ذاكرة منسية، أو تومض فيه لحظة وعيٍ نادرة.
فالإنسان، مهما بدا متماسكًا، يحمل في داخله ظمأً لا يهدأ، وجوعًا للمعنى لا يُشبع بالمظاهر.

الروح، وإن بدت ساكنة، فإنها تحمل عطشها في صمتٍ وجودي.
عطش لا يُروى بفيض الأشياء، بل بقطرة صادقة… تنبع من معنى، لا من كثرة.
كما أن قطرة ماء واحدة قادرة أن توقظ حياة نائمة في زجاجة، فإن لمسة وعي واحدة كفيلة أن تُنهض الروح من عطشها الأزلي.

نحن لا نعطش فقط للماء، بل للمعنى… للصدق، للتماس الحقيقي مع ذواتنا، مع أعماقنا، مع الحقيقة التي تتوارى خلف الضجيج.
فالروح لا تكتفي بما يُملأ، بل ترتوي فقط بما يُفهم، وما يُلامس جوهرها.
فقطرة واحدة من الصفاء، قد تبدد جفاف أعوامٍ من التيه.

والإنسان، في جوهره، كالماء… يتأثر بكل ما حوله، يتشكل بحسب الأواني التي يُسكب فيها.
الحياة هي الزجاجة… ونحن قطرات ماء داخلها، نتلون بأحداثها، ونتخذ شكلها دون أن نشعر.
لا هوية ثابتة خارج التجربة، ولا ملامح نهائية دون الاحتكاك بتفاصيل الحياة.

نحن نرى أنفسنا في الأشياء…
في صمت الغرفة، في صوت المطر، في ارتجاف ورقة، أو في ضوء ينسكب على سطح زجاجي.
كل ما حولنا يحرّك فينا شيئًا، يوقظ ما ظنناه نائمًا، ويعكس صورتنا كما ينعكس الضوء على سطح الماء.

في النهاية، لا نُعرَف بما نملك، بل بما نُدرك. ولا نرتوي بما نملأ به أرواحنا، بل بما نسمح له أن ينفذ إلى عمقها.
فالتيه لا ينتهي بتكديس الإجابات، بل يبدأ بالوصول إلى سؤال صادق.

وقطرة واحدة من المعنى… قد تُعيد ترتيب الفوضى في دواخلنا، وتُحيي فينا الحياة من جديد.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop